وحرارة فصولهم هي بحيث لا يعرفون معها مرضاً، فيعمرون أطول بكثير مما نعمر نحن، ولهم بصر وسمع وشم، وسائر الحواس كلها، وهي ابعد كمالاً من حواسنا بنفس الدرجة التي بها الهواء أنقى من الماء، أو الأثير أصفى من الهواء. كذلك لهم معابد وأماكن مقدسة فيها يقيم الإلهة حقاً، فهم يسمعون أصواتهم ويتلقون إجاباتهم، وهو يشعرون بهم ويديرون بينهم وبين أنفسهم أطراف الحديث، وهم يرون الشمس والقمر والنجوم كما هي في حقيقة امرها، وعلى هذا النحو كل ما هم فيه من أسباب النعيم
تلك هي طبيعة الأرض كلها، وما حول الأرض من أشياء وفي الفجوات التي على ظهر الأرض أصقاع متباينة، بعضها اعمق وأوسع من فجوتنا التي نقيم فيها، وأخرى اعمق وأضيق فوهة منها، وبعضا أوسع واقل عمقاً، وتربطها جميعاً بعضها ببعض ثقوب عدة وممرات عريضة وضيقة في باطن الأرض. وهنالك يتدفق فيها ومنها - كما يتدفق في الأحواض - تيار عظيم من الماء، وثم مجار ضخمة لانهار تحت الأرض لا ينقطع جريانها، وينابيع حارة وباردة، ونار عظيمة، وانهار كبيرة من النار، ومجار من طين سائل، منها الرفيع والسميك (كأنهار الطين في صقلية وما يتبعها من مجاري الحمم) فتغمر المناطق التي تتدفق حولها. وهنالك في باطن الأرض نوع من الذبذبة يحرك هذا كله إلى أعلى والى اسفل، والحركة الآن في هذا الاتجاه: وبين الفجوات هوة هي أوسعها جميعا، تنفذ خلال الأرض كلها، وهي التي وصفها هوميروس بهذه الكلمات:
(أن أغور تحت الأرض جد سحيق)
وقد أطلق عليها في مواضع أخرى اسم جهنم، وكذلك فعل كثير غيره من الشعراء. وسبب الذبذبة هو تلك الأنهر التي تتدفق في هذه الهوة ومنها، ولكل منها طبيعة التربة التي تجري فيها، وإنما كانت تلك الأنهار دائمة التدفق دخولاً في الهوة وخروجاً منها لان عنصر الماء ليس له قاع ولا مستقر، وهو يعج ويهتز صعوداً وهبوطاً، وهكذا تفعل الريح والهواء المحيطان به، إذ هما يتبعان الماء في صعوده وهبوطه وفي اندفاعاته فوق الأرض هنا وهناك، مثل ذلك مثل الشهيق والزفير لا ينقطعان حين نتنفس الهواء، وباهتزاز الهواء تبعاً للماء دخولاً وخروجاً نشأت عنها العواصف المروعة القاصفة: فإذا ما تراجعت المياه مندفعة إلى الأجزاء السفلى من الأرض - كما تسمى - انسكبت في تلك المناطق خلال