لقد أغفل قاسم حساب الزمن في هذا أيضاً، فكثير من المنكرات والآثام قد أنحل منها المعنى الديني وثبت في مكانه معنى اجتماعي مقررٌ، فأصبحت المتعلمة لا تتخوف من ذلك على نفسها شيئاً، بل هي تقارفه وتستأثر به دون الجاهلة، وتلبس له (السواريه)، وتقدم فيه للرجال المهذبين مرة ذراعها، ومرة خصرها. . .
أقرأت (شهرزاد)؟ أن فيها سطراً يجعل كتاب قاسم كله ورقاً أبيض مغسولاً فيه شيء يقرأ:
قالت شهرزاد المتعلمة المتفلسفة، البيضاء البضة، الرشيقة الجميلة؛ للعبد الأسود الفظيع الدميم الذي تهواه:(ينبغي أن تكون أسود اللون؛ وضيع الأصل؛ قبيح الصورة، تلك صفاتك الخالدة التي أحبها. . . . . .)
فهذا كلام الطبيعة نفسها لا كلام التأليف والتلفيق والتزوير على الطبيعة
قال صاحب الطائشة:
فقلت لها: فإذا كان قاسم لا يرضيكِ، وكان الرجل مصلحاً دخلته روح القاضي، فخلط رأياً صالحاً وآخر سيئاً، فلعل (مصطفى كمال) همك من رجل في تحرير المرأة تحريراً مزق الحجاب وأل. . .؟
قالت إن مصطفى كمال هذا رجل ثائر، يسوق بين يديه الخطأ والصواب بعصا واحدة، ولا يمكن في طبيعة الثورة إلا هذا، ولا يبرح ثائراً حتى يتم انسلاخ أمته. وله عقل عسكري كان يمكر به مكر الألمان حين أكرههم الحلفاء على تحويل مصانع (كروب) فحولوها تحويلاً يردها بأيسر التغيير إلى صنع المدافع والمهلكات. وليس الرجل مصلحاً ألبتة، بل هو قائد زهاه النصر الذي أتفق له، فخرج من تلك الحرب الصغيرة وعلى شفتيه كلمة:(أريد. . .) وجعل بعد ذلك إذاً غلط غلطة أرادها منتصرة، فيفرضها قانوناً على المساكين الذين يستطيع أن يفرض عليهم وهم اليوم لا يملأون قبضة دولته، فيقهرهم عليها ولا يناظرهم فيها، ويأخذ كيف شاء، ويدعهم كيف أحب؛ وبكلمة واحدة: هو مؤلف الرواية والقانون نفسه أحد الممثلين. . .
وحقده على الدين وأهل الدين هو الدليل على أنه ثائر لا مصلح؛ فإن أخص أخلاق الثورة حقد الثائرين، وهذا الحقد في قوة حرب وحدها، فلا يكون إلا مادة للأفعال الكثيرة