يسري عن نفسه بمثل هذه الكلمات، فمن اجلها أطلت حكايتي، ولهذا أوصيكم ألا يأخذ أحد على روحه الأسى، مادام قد طرح زينة الجسد ولذائده، واعتبرها غريبة عنه، بل هي أدنى إلى إيذائه بما تجر وراءها من أثر، ومادام في هذه الحياة قد تعقب لذة المعرفة، إلا أن أولئك الذين يزينون أرواحهم بلآلئها الصحيحة، وهي: الاعتدال والعدل والشجاعة والنبل والحق - أولئك تكون أرواحهم، إذا ما ازينت بتلك اللآلئ، مهيأة للرحيل إلى العالم السفلي حين يدركها الموت. فأنتم، أي سمياس وسيبيس، ويا سائر الرجال، سترحلون في وقت قريب أو بعيد. أما أنا، فهاهو ذا يناديني صوت القدر على حد قول شاعر المأساة، ولابد أن أجرع السم عما قريب، ويجمل بي فيما أظن أن أذهب أولا إلى الحمّام حتى لا يشق على الناس غسلُ جثماني بعد موتي
فلما أن فرغ من الحديث، قال كريتون: أعندك ما تشير علينا به يا سقراط؟ ألديك ما تقوله عن أطفالك، أو عن أي شيء آخر نستطيع أن نعينك في أمره؟
فقال: ليس عندي شيء بعينه: غير أني أحب لكم، كما كنت أحدثكم دائماً، أن تنظروا في أنفسكم، فذلك فضل تستطيعون أن تواصلوا أداءه من أجلى، وهو أيضاً فضل مني لكم. ولا ينبغي لكم أن تكونوا أدعياء فيما تقولون، لأنكم لو جهلتم أنفسكم وصدفتم عما أوصيتكم به، وليست هذه أول مرة أوصيكم فيها، فلن تجدي عليكم حماسة الادعاء شيئاً
قال كريتون: سنبذل جهدنا، ولكن كيف تريدنا أن نواريك الثرى؟
على أي وجه تشاءون، غير أنه لابد لكم أن تمسكوا بي، وان تحذروا فلا ألوذ منكم بالفرار. ثم التفت إلينا وأضاف باسماً: لا أستطيع أن أقنع كريتون أنني سقراط ذاته الذي كان يتحدث ويوجه الحوار، فهو يحسبني سقراط الآخر الذي سيشهده بعد حين جثة هامدة - وهو يسائل: ماذا عسى دفني أن يكون؟ مع أني قد أفضت في الحديث محاولاً إقامة الدليل على أني مخلّفكم حين أجرع السم، حيث أتوجه إلى لذائذ أصحاب النعيم - ويظهر أنه لم يكن لحديثي هذا الذي سرّيت به عن أنفسكم وعن نفسي، أثر في كريتون، لذلك أريدكم أن تكونوا لي الآن عنده كفلاء، كما كان هو كفيلي عند المحاكمة: على أن يختلف وعدكم عما وعد، فقد كان كفل للقضاة أني سابقى، ولكن عليكم أن تكفلوا له غير باق، بل إني ظاعن راحل، فتقل بهذا لوعته عند موتي، ولا يحزنه أن يرى جثماني يحترق أو يهال