للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مصيرها؟ أما أوربا المتمدينة فهي تأتمر جمعاء مع هذه الفاشستية الدموية المتوحشة؛ وإذا شذت دولة فعرضت بعدوانها فإنما ذلك لغيرة أو منافسة؛ وإنما عصابة الاستعمار كلها يد واحدة تؤيد إيطاليا القوية الزاخرة بالجند والسلاح، لا باعتبارها دولة أوربية وقوة استعمارية فقط، ولكن باعتبارها دولة غربية تزمع أن تفترس أمة شرقية، وأمة بيضاء تزمع أن تفترس شعباً أسمر (ملوناً)؛ وكلها تأتمر مع القوي المعتدي ضد الضعيف المعتدى عليه، فتمتنع عن بيع السلاح للحبشة مصانعة لإيطاليا ومؤازرة لقضية الاستعمار المشتركة، لكي تعجز الحبشة عن الدفاع عن نفسها، ولكي يستطيع المعتدي أن يحصد أبنائها المدافعين عنها بأيسر أمر

وأما شرائع الله وشرائع الأمم، فإن هذا الاستعمار الباغي ينتهكها شر انتهاك؛ بل إنه ليتيه كبرياء إذ يستطيع انتهاكها دون وازع، ويزعم أنه يستطيع بما لديه من القوى والعدد أن يسخر من رأي العالم ومن الإنسانية كلها؛ فحقوق الأمم وحرياتها المقدسة، وأمن الشعوب وحياة الأمم والأفراد كلها لغو في نظره؛ ثم هو يطأ قانون الأمم (القانون الدولي) بقدميه ويسحقه سحقاً، فلا ترده عن مشروعه الآثم معاهدات سلم وتحكيم يرتبط بها، ولا يحترم معاهدات خاصة عقدها مع الأمة التي ينوي افتراسها يوم كان يخطب ودها

تلك هي إيطاليا الفاشستية، وذلك هو موقفها كما يعرضه ذلك الرجل! ذلك الطاغية الذي يزعم أنه بعدوانه الصارخ على حرية الأمم، يقود أمته في سبيل المجد والعظمة والثراء، وما يقودها إلا في سبيل الدمار والفناء

لقد كانت إيطاليا لأقل من قرن أمة ذليلة تصفدها أغلال الحكم الأجنبي، وكانت أوربا والعالم كله يعجب بكفاحها في سبيل حرياتها؛ وما زالت أسماء أولئك الزعماء الذين قادوها في سبيل الحرية أمثال مازيني وأورسيني وكافور وجاريبالدي تستثير إعجاب الخلف وتقديره. ولكن إيطاليا، ولكن ذلك الطاغية الذي يسيطر على مصايرها اليوم، يوشك أن يقضي بمعوله المخرب على ذلك الصرح النبيل الذي ما زالت تتخذه الأمم الطامحة إلى حرياته مثلا أعلى

إن هذا النزاع الذي تهتز له اليوم أرجاء العالم كله، ليس قضية إيطاليا والحبشة بل هو أجل شأناً من ذلك وأبعد مدى؛ هو قضية الغرب الظافر والشرق المغلوب، وهو قضية

<<  <  ج:
ص:  >  >>