المنظر: باب دار كبير، جارية كأنها قضيب يتثنى. يدنو منها شيخ ويسلم عليها فترد السلام بلسان منكسر وقلب حزين.
الشيخ: - يا سيدتي! إني شيخ غريب أصابني عطش فأمري لي بشربة من ماء تؤجري.
الجارية: إليك عني يا شيخ، فإني مشغولة عن سقي الماء وادخار الأجر!
الشيخ: يا سيدتي لأيّة علة؟
الجارية: (بعد تردد) لأني عاشقة من لا ينصفني، وأريد من لا يريدني!
الشيخ: (يتأملها) يا سيدتي، هل على بسيط الأرض من تريدينه ولا يريدك
الجارية: انه لعمري على ذلك الفضل الذي ركب الله فيه من الجمال والدلال.
الشيخ: يا سيدتي، فما وقوفك في الدهليز؟
الجارية: هو طريقه، وهذا أوان اجتيازه.
الشيخ: يا سيدتي. هل اجتمعتما في خلوة في وقت من الأوقات أم حب مستحدث؟
الجارية: (تتنفس الصعداء وتسيل دموعها على خديها كطل على ورد وتنشئ تقول):
وكنا كغصني بان وسط روضة ... نشم جنا اللذات في عيشة رغد
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطع ... فيا من رأى فردا يحن إلى فرد؟
الشيخ: يا هذه ما بلغ من عشقك هذا الفتى؟
الجارية: أرى الشمس على حائطه أحسن منها على حائط غيره، وربما أراه بغتة فأبهت وتهرب الروح من جسدي، وأبقى الأسبوع والأسبوعين بغير عقل
الشيخ: عزيز عليّ؛ وأنت على ما بك من الضنى وشغل القلب بالهوى وانحلال الجسم وضعف القوى، ما أرى بك من صفاء اللون ورقة البشرة. فكيف لو لم يكن بك من الهوى شيء؟ أراك كنت مفتنة في أرض البصرة!
الجارية: كنت والله يا شيخ قبل محبتي لهذا الغلام تحفة الدلال والجمال والكمال. ولقد فتنت جميع ملوك البصرة وفتنني هذا الغلام.
الشيخ: يا هذه ما لذي فرّق بينكما؟
الجارية: نوائب الدهر وأوابد الحدثان. ولحديثي وحديثه شأن من الشأن. وأنبئك أمري: إني كنت اقتصدت في بعض أيام النيروز، فأمرت فزين لي وله نجلس بأنواع الفرش وأواني