المعطلة؟ ما دستور سياستنا في الغرب؟ متابعة إنجلترا على هوى الاحتلال، ومصانعة الدول على حكم الامتيازات، وإطفاء هذه البقعة المشرقة في وجهه أفريقية بهذا المظهر الكاسف. وما دستور سياستنا في الشرق؟ إن كنت تسمي الإغفال سياسة والقطيعة خطة، فدستورهما ما ترى بيننا وبين الحجاز من تناكر لا يسوغه عرف ولا تقتضيه طبيعة ولا تجره منفعة، وما تشهد بيننا وبين جاراتنا الأخوات من تدابر لا يسلم عليه تضامن ولا يجري معه تعاون ولا تنتظم به وحدة، ثم ما تسمع بيننا وبين الشرق الإسلامي من تغاضب على التمثيل السياسي، وهو أقل ما توجبه الروابط الدينية والتاريخية والجنسية من التواصل والتعاطف والمجاملة
سخونا إلى حد السرف على تمثيلنا الخارجي في أوربا، حتى في العواصم التي لا تصلنا بها سياسة ولا تجارة ولا جالية؛ فلما نبهنا إخواننا في آسية إلى أنهم أمم كأولئك الأمم، لهم ما ليس لنا من استقلال صحيح وسيادة كاملة، فضلا عما بينهم وبيننا من أواصر التاريخ ووشائج القربى، مثلنا أنفسنا هناك في الغالب بمن تنفيهم الأهواء لا بمن تدعوهم الحالة، وجعلنا للعراق وإيران وأفغانستان سفيرا واحدا يقيم في طهران!
فمس ذلك من كبرياء الأمتين والأختين فتثاقلت العراق عن تعيين سفيرها في القاهرة، ونقلت الأفغان وزيرها المعين إلى مكة! ذلك الغرب كله يتحلب فوه إلى ازدراد الشرق، فهو يستعين عليه (بالعصبة)، ويحتال له بالتجارة، ويتدسس إليه بالعلم، ويدور من ورائه بالمعاهدات، ثم يرى أن العرب صلبه والإسلام روحه، فيهجم عليهما بالمودة، ويتسابق إليهما بالخديعة؛ ولكن الإسلام والعرب يريدان أن يظل الشرق مطلع النور ومصدر الحرية ومنبت العزة؛ وتحقيق هذه الإرادة موكول إلى اجتماع الكلمة واتحاد الوجهة وتساير الهوى في الأمم الإسلامية التي ألفت بين قلوبها العقيدة، وفرقت بين جسومها المطامع
ومن أحق من مصر إذا استقلت إرادتها وتقررت سياستها وتحررت كفايتها بجمع هذه القلوب المخلصة على جهاد الاستعمار، وقيادة هذه النفوس المؤمنة إلى نصرة الحق؟
إن وطننا يا قوم مترامي الحدود، فلماذا تحدونه على الضيق، وقومنا ضخام العديد، فلماذا تحصرونهم على القلة، وإخواننا كرام يصفون المودة ويولون المعونة، فلماذا تجعلون بيننا وبينهم سدا من الإهمال والغفلة؟ إن الأمم القوية الناضجة لترخص الأموال والأنفس في