بعينها وأحوالها؛ فان أديب صناعته أو أديب جماعته، غير أديب قومه وأديب عصره: أحدهما إلى حد محدود من الحياة، والآخر عمل جامع مستمر متفنن، لأن عمله الأدبي هو وجوده، وكل شيء في قومه لا يبرح يقول له: اكتب. . .
ومن الأصول الاجتماعية التي لا تتخلف، أنه إذا كانت الدولة للشعب كان الأدب أدب الشعب في حياته وأفكاره ومطامحه وألوان عيشه، وزخر الأدب بذلك وتنوع وافتن وبني على الحياة الاجتماعية؛ فان كانت الدولة لغير الشعب، كان الأدب أدب الحاكمين وبني على النفاق والمداهنة والمبالغة الصناعية والكذب والتدليس، ونضب الأدب من ذلك وقل وتكرر من صورة واحدة؛ وفي الأولى يتسع الأديب من الإحساس بالحياة وفنونها وأسرارها في كل من حوله إلى الإحساس بالكون ومجاليه وأسراره في كل ما حوله. أما الثانية فلا يحس فيها إلا أحوال نفسه وخليطه، فيصبح أدبه أشبه بمسافة محدودة من الكون الواسع، لا يزال يذهب فيها ويجيء حتى يمل ذهابه ومجيئه
والعجب الذي لم يتنبه له أحد إلى اليوم من كل من درسوا الأدب العربي قديما وحديثا، أنك لا تجد تقرير المعنى الفلسفي الاجتماعي للأدب في أسمى معانيه إلا في اللغة العربية وحدها، ولم يغفل عنه مع ذلك إلا أهل هذه اللغة وحدهم!
فإذا أردت الأدب الذي يقرر الأسلوب شرطا فيه، ويأتي بقوة اللغة صورة لقوة الطباع، وبعظمة الأداء صورة لعظمة الأخلاق، وبرقة البيان صورة لرقة النفس، وبدقته المتناهية في العمق صورة لدقة النظرة إلى الحياة؛ ويريك أن الكلام أمة من الألفاظ عاملة في حياة أمة من الناس، ضابطة لها المقاييس التاريخية، محكمة لها الوضاع الإنسانية، مشترطة فيها المثل الأعلى، حاملة لها النور الإلهي على الأرض. . .
وإذا أردت الأدب الذي ينشئ الأمة إنشاء ساميا، ويدفعها إلى المعالي دفعا، ويردها عن سفاسف الحياة، ويوجهه بدقة الإبرة المغناطيسية إلى الآفاق الواسعة، ويسددها في أغراضها التاريخية العالية تسديد القنبلة خرجت من مدفعها الضخم المحرر المحكم، ويملأ سرائرها يقينا ونفوسها حزما وأبصارها نظرا وعقولها حكمة، وينفذ بها من مظاهر الكون إلى أسرار الألوهية. . .
. . . إذا أردت الأدب على كل هذه الوجوه من الاعتبار - وجدت القرآن الحكيم قد وضع