للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شوقا لذكراهم، يهمل في صلاته ويحافظ على صومه. إن ألحد فكره لم تطاوعه طبيعته، وإن كفر عقله آمن قلبه. ومن أصدقائه السكير والزاهد، والفاجر الداعر والعابد. وكلهم على اختلاف مذاهبهم يصفه بأنه يجيد الإصغاء كما يجيد البليغ الكلام.

سرت معه سيرة من جنسه، فأحببته وكرهته، ونقمت منه ورحمته، وكنت أنس به واستوحش منه، يبعد عني فأتوق إليه، ويطول مقامي معه فأتبرم به.

وأخيرا، لم يقو جسمه على هذه الأضداد مؤتلفة، والمتناقضات مجتمعة. فعاجله الشيب في شبابه، وتقوس ظهره في ربيع عمره، وأصبح مترهل العضل، منسرق القوى، يظنه من رآه أنه بلغ أرذل العمر، ولداته في رونق الشباب وميعة النشاط.

بلغني مرضه، فلم أدركه إلا جنازة فشيعته إلى أن أنزل حفرته وأجن في رمسه ونفضت من ترابه الأيدي!

وعدت موجع القلب باكيا، ضيق الصدر، مكروب النفس، أخذني من الحزن عليه ما تنقض منه الجوانح، وتنشق له المرائر، فعلمت أن حبي له كان أعمق من كرهي إياه، وأن نقمتي عليه لم تكن الا مظهراً من عطفي عليه، أني كنت أقسو عليه رحمة به! رحمة الله عليه فقد حطم بعضه بعضا، ومضى قتيل روحه شهيد نفسه!

<<  <  ج:
ص:  >  >>