إلى ذلك التعبير كالتصوير والموسيقى والعبارة الجميلة، فأدى ذلك إلى اقتران الآيات الفنية بمعاني الجمال فالتبس الأمر على بعض المفكرين وذهب بهم الظن إلى أن الجمال هو الغرض المقصود من الفنون. والحقيقة انه أداة فقط، استعملت للوصول إلى الغاية الحقيقية وهي إبراز الشخصية الإنسانية، وقد تبع ذلك جدل ونقاش حول موضوع لم يكن ليحتمل النقاش والجدل وهو أيهما افضل في الأدب؛ المعنى أم المبنى؟ فذهب فريق كبير إلى تفضيل العبارة الجميلة وحجتهم في ذلك أن المعنى أدخل في باب العلوم منه في باب الأدب، أما اللفظ الجميل فهو خالص لأنه قطعة من الجمال والجمال أساس الفنون! وفات هؤلاء أن جمال الأدب لا يتحقق إلاّ بمزج هذين العنصرين مزجاً (كيميائياً) لا يقبل التجزئة والتحليل، فأنت إذا أردت أن تتذوق لونا من ألوان الطعام فلا تعمد إلى تحليله إلى عناصره الأولى لتختبر كل واحد على حدة بل لابد لك أن تتناوله وحدة متماسكة. كذلك الحال في الأدب؛ الكل شئ آخر غير أجزائه. فالمعنى وحده قطعة من العلم واللفظ وحده كذلك جزء من علم البلاغة والنحو والصرف، فإذا مزجت بينهما كان لديك بذلك آية أدبية خالدة.
فالفنون ومنها الأدب هي أشخاصنا وأرواحنا في حين أن العلوم (كالأشياء نفسها) جامدة ميتة لا تتصل بنفوسنا ولا تظهر فيها الشخصية الإنسانية. وقد أحسن فكتور هوجو حين قال في كتابه (وليم شكسبير): (ينأى كثير من الناس في أيامنا هذه (ولا سيما المضاربون وفقهاء القانون) إن الشعر قد أدبر زمانه. فما اغرب هذا القول؟! الشعر أدبر زمانه! لكأنّ هؤلاء القوم يقولون؛ أن الورد لن ينبت بعد وان الربيع قد أصعد آخر أنفاسه وان الشمس كفت عن الشروق وانك تجول في مروج الأرض فلا تصادف عندها فراشة طائرة، وان القمر لا يظهر له ضياء بعد اليوم، والبلبل لا يغرد والأسد لا يزأر والنسر لا يحوم في الفضاء، وان قمم الألب والبرانيس قد اندكت، وخلا وجه الأرض من الكواعب الفواتن والأيفاع الحسان. . . لكأنهم يقولون انه لا أحد اليوم يبكي على قبر ولا أم تحب وليدها وأن أنوار السماء قد خمدت وقلب الإنسان قد مات).
والخلاصة أن الأدب والفن بوجه عام، ضرورة تحتمها المشاعر الزائدة على حاجة البقاء، وأنها صورة دقيقة لنفوسنا، تربطنا بالعالم برباط الصداقة والرحم، بخلاف العلوم، فإنها