للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإنما هي في الحقيقة بعثات سياسية مصدرها هذه الرؤوس المفكرة الماكرة الجاثمة في الوزارتين المذكورتين، تطوف أنحاء الشرق باسم منقبة باحثة، حتى إذا ما ملأت حقائبها بما تريد عادت إلى وزارة الخارجية ووزارة المستعمرات تصب فيهما معلوماتها طروبة فخورة! وكثيراً ما كانت هذه البعثات (العلمية) تمنع من دخول بعض البلاد الشرقية، وقد تطرد منها أحياناً على أسوأ حال!!

وبعد، فلو نظرنا إلى بحوث علماء المشرقيات التي خطوها عن الأدب العربي والعقلية العربية، وفلاسفة العرب لاستخرجنا من ثناياها براهين جمة تبين لنا بوضوح كيف تندفع هذه الطائفة وراء الهوى والغرض لتثبت قضية من القضايا على أساس تجاهل الواقع وطمس الحقيقة؛ هذه نظرية (السامية والآرية) التي يؤمن بها أغلب المستشرقين والتي تصبغ دراساتهم بلون خاص تصف العرب والجنس السامي على العموم بأنهم قوم غرباء عن العلم والفلسفة، لا يحسون بالجمال والفن، ولا يعرفون ما يسمى بالأنظمة السياسية والمدنية. يقول أرنست رينان في الفصل الأول من كتابه في تاريخ اللغات السامية: (إن اللفظين اللذين استعملا ولا يزال استعمالهما جارياً إلى الآن، للدلالة على سير العقل نحو الحقيقة، وهما علم وفلسفة، قد كانا غريبين عن الجنس السامي تقريباً. فالبحث التفكيري المستقل الدقيق العميق، أو بعبارة أخرى التفكير الفلسفي للبحث عن الحقيقة، يبدو أنه كان وقفاً على الجنس المسمى بالهندي الأوربي (الآري) الذي كان يبحث منذ أقدم العصور إلى الآن لتفسير الله والإنسان والعالم تفسيراً عقلياً، والذي ترك وراءه في كل مراحل تاريخه آثاراً فلسفية خاضعة لنواميس تطور منطقي، أما الساميون فإنهم بدون تفكير أو تدليل توصلوا إلى أصفى صورة دينية عرفها التاريخ فالمدرسة الفلسفية موطنها اليونان والهند، في وسط قوم طلعة يهتمون كثيراً بمعرفة أسرار الأشياء. أما المزامير والأناشيد والكتب المنزلة والحكم الرمزية أو الموضوعة في شكل ألغاز فهي من نصيب الجنس السامي

(والجنس السامي أدنى من الجنس الآري إذا قورن به، فهو - أي الجنس السامي - ليست له هذه الروحانية السامية التي عرفها الهنود والألمان فقط، وليس له الإحساس بالجمال الذي بلغ حد الكمال عند اليونان، وليست له هذه الحساسية الرقيقة العميقة التي هي الصفة الغالبة عند الكلتيين (فرنسا وجزء من البلجيك)، وإنما الساميون بديهتهم ولكنها محدودة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>