وله على إدبار دَهْرٍ عزةٌ ... تنأى به عن ذلة وهوان
كِبْرُ الشباب ولا اعتداد مُسَوَّدٍ ... بالجاه والأجناد والأعوان
إن كان صعلوكاً فليس بخانع ... فكأنه ذو التاج والإيوان
إن العزيز هو العزيز على الصِّبى ... والشيب مهما عز ذل جَنَان
ذل الجَنَان لوهن جثمان ولا ... ذل كذل الوهن في الأبدان
ورث المراح ذخيرةً لمبذر ... خال الحياة رخيصة الأثمان
لَذَّاتُه دَيْنٌ يؤديه إذا ... حل المشيب وهد من جثمان
تتعادل اللذات في ريعانه ... ولواعج للشيب في ميزان
عهد الصراحة والمروءة والندى ... وتَألُّفِ الخلان بالخلان
عهد المحبة والأخاء وربما ... تُلْفِيها في القلب يمتزجان
عهد إذا طلب الكرى لم يُعْيِه ... وكرى المشيب مؤرَّق الأحزان
عهد الصِّبى عهد المنى، فإذا مضى ... لم يبق الأمُرُّ سُؤْرِ دنان
وتكاد ذكراه إذا فات الصبى ... تحيي الصبى وترد غرب زمان
أطماعه عُلْوِيَّةٌ، أحلامه ... ذهبية الآمال كالعقيان
عهد الصيال ولا صيال لأشيب ... هاب الحياة وصولة العدوان
والخطب أن يَهْوِي المشيب بصائل ... ما كان يخشى جولة الحدثان
حتى تراه بالحياة مُرَوَّعاً ... قلق الضلوع مؤرَّق الأجفان
والخوف طبع في المشيب وقلما ... تلقى الشباب على غرار جبان
ولربما جمح الشباب بِسادر ... عَبَدَ الحياة عبادة الشيطان
ولربما عبد الحياة أخو النهى ... كعبادةٍ لله والأوطان
قال المشيب ورُبَّ قولة صامت ... تعظ المصيخ له بغير لسان
ما سَرَّني أني فطنت وإنني ... والحلم والتبيان في أكفان
ونسيت ما نَشْرُ الجنان وخلدُها ... وذكرت أن العيش مهلة فاني
ولقد علمت الآن ما عهد الصبى ... من بعد جهلي فيه والنسيان
والآن عالجت الحياة كما أرى ... لا ما أريد من البعيد الداني