للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدمغة من رءوسهم، كان لهم أن يستزيدوا من آداب الغرب والشرق ما شاءوا وتطالت إليه عزائمهم، وأن يضموا إلى البلاد العربي القديم طريف البضائع، وأن يضيفوا إلى الإرث العُدُملي الكريم حديث البدائع، مشروطاً في نقلها إلى خزانة العربية، لأجل تمام المقصد واجتناب الهجنة، أن يكون الأسلوب العربي الأصيل ظلها وماءها، وديباجة النطق بالضاد أرضها وسماءها، وأن تكون لغة الكتاب المنزل على أفصح العرب ألفها وياءها. .).

وهاكم نموذجاً من شعر هذا الأمير الشاعر من قصيدة يصف الفقير في ضنكه ويحث الموسر على إعانته، (وهي قصيدة فذة في بابها في وصف الفقر وشدته على المرء واستجلاب الرحمة والتحنان على الفقراء والتحذير من مغبة إرهاقهم):

رأيت سليل الفقر يعمل في الثرى ... مكباً على محراثه يتلهف

يخدُّ أديم الأرض خداً كأنه ... له قِبَل الغبراء ثار مخلف

كأني به نادته للحرب فاغتدى ... يكرُّ عليها بالحديد ويعطف

كأني به إذ فرق الترب والحصى ... يفتش هل في باطن الأرض منصف

كأني به إذ خط في الأرض قبره ... يهمُّ على جثمانه ثم يصدف

به آية الجهد الذي ليس ناهضاً ... بهِ بشر غض البنان مهفهف

جبين بمرفضِّ الصبيب مضمَّخٌ ... وشعر بملتصِّ الغبار مغلف

وجِيد خفوق الأخدعين كأنما ... تبينت من أوداجه الدم ينطف

رثيت لمكروب سحابة يومه ... إذا قرَّ منه معطف ماج معطف

إذا زلزلته سرعة الخطو أوشكت ... أضالعه في زوره تتقصف

كأن أزيز الجوف عند وجيبه ... حسيسُ هشيم والندى يتوكف

يشقق عنه الثوب فالريح قد غدت ... تصافح منه جلده حين تعصف

وأثبت حَمْىُ الشمس في أم رأسه ... نبالاً فراس العظم منها منقف

تبطن منثور الغبار جفونه ... فضرَّج منها مقلة تتحسف

كأن حماة الشوك في ذيل برده ... طراز حواه العبقري المفوَّف

يمدُّ إلى الجبار كفاً تكدحت ... أناملها والله بالعبد أرأف

<<  <  ج:
ص:  >  >>