للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا ليت نسياناً كذا النوم ساقياً ... يدير لهم كأساً ألذ من الخمر

لتذهلهم عن كل شر وفتنة ... فيستيقظ النُّوّامُ في خلق الطهر

خواطر آمال أُسَلِّي بها الدجا ... وتمضي مُضيَّ الليل أو طيرة الطير

فلما تَقَضَّى الليل وانجاب جنحه ... رأيت صباحاً يصبغ النبت بالتبر

تَشُوب اخْضِرَارَ الروض صفرةُ ساطع ... من الضوء مثل الغيد في حلل خُضْر

كما تينع الأثمار شاب اخضرارَها ... لدى النضج لونٌ في غلائلها الصُّفْر

كأن نبات الزهر من نبت جنة ... رمى مَلَكٌ من أفقها الأرض بالبذر

أظل وطرفي في مدى الأفق ذاهل ... أحاك عليه الفجر وشياً من السحر

ويرنو إليَّ الفجر من خلف ظلمة ... بنور كما شَفَّ الرماد عن الجمر

كأن مَماتاً في الدجا أهلك الدُّنا ... فتبعث فيها الروح في وضح الفجر

كأن كيان الكون يخلق ثانياً ... فإن انفجار الفجر كالخلق والنشر

تخال تباشير الصباح أزاهراً ... إذا ما بدت فوق الشجيرات كالنَّوْرِ

فيختلط الزهران حسناً ومنظراً ... ويزداد نِظْرُ الحسن من مشهد النِّظْرِ

تحَدِّث أنباء السماء بمشرق ... من الضوء مثل الرُّسْل تُبْعَثُ بالخير

تبادهنا منها محاسن جمة ... كما باده الأذهان من حَسَن الفكر

تفض ختام النفس عن كل ذكرة ... وكم ذِكَرٍ في الضوء والزهر والعطر

تذكرنا الآمال والحب والصِّبَى ... كأن رواء الصبح ضرب من الشِّعر

كذلك يغدو منظر الحسن ذكرة ... وخاطرة في النفس تُسعِدُ في الضُّر

وتستيقظ الأرض النَّؤوم إذا حنا الص ... باح عليها يلمس الثغر بالثغر

كما استيقظ الطرف المُغَمَّضُ بعدما ... أريق عليه ساطع من سنا البدر

تحن إليه النفس من بعد ظلمة ... فتحكي حنين الطير تهفو إلى الوكر

ترى الصبح يجلو النهر كالقين سيفه ... ويذكي الندى فوق الشجيرات كالدر

أُطِلُّ بأفكاري على النهر مثلما ... لدُنْ هدأة يحنو النبات على النهر

تصب عليه الشمس رقراق عسجد ... فيعلو لجينَ النهر نهرٌ من التبر

ترى تارة في متنه الماَء راجفاً ... كما ارتعدت أبشار غيدٍ من القُرِّ

<<  <  ج:
ص:  >  >>