إلى الحكومات ذات الشأن بتقديم القوى اللازمة، فإذا رفضت هذه الحكومات أن تقدم هذه القوى، فماذا عسى أن يستطيع مجلس العصبة إزاء الدولة (المعتدية)؟ هذا ومن جهة أخرى فان صفة (الاعتداء) لم تعرف حتى اليوم تعريفاً كافياً؛ وربما كان من الميسور أن يعرف (المعتدي) حالاً في مسألة النزاع الإيطالي الحبش، إذ لا ريب في أن (المعتدي) هو إيطاليا؛ ولكن ليس من السهل في كثير من المنازعات الدولية أن يقطع في أمر (المعتدي) قطعاً لا مرية فيه
وقد كان هذا النقص في ضمان التنفيذ وما زال أعظم نقط الضعف في مواثيق السلام والتحكيم الدولية، وهو أعظم نقط الضعف في ميثاق تحريم الحرب (ميثاق كلوج) الذي اغتبط اعقده أنصار السلام أيما اغتباط، ثم لم يلبث أن ظهر عقمه حين الحاجة إلى تطبيقه. وقد كان اعتداء اليابان على منشوريا أعظم صخرة ارتطم بها ميثاق عصبة الأمم وميثاق تحريم الحرب. والآن يبدو عقم هذه المواثيق الدولية مرة أخرى إزاء النزاع الإيطالي الحبشي؛ وحيثما كان الفريق الأقوى يعتبر المواثيق الدولية قصاصات لا قيمة لها، كما هو الشأن في حالة إيطاليا التي ترتبط مع الحبشة ومع فرنسا وإنكلترا بأكثر من معاهدة لاحترام استقلال الحبشة وسلامة أراضيها، فان المناقشات الفقهية في احترام مواثيق السلام لا تجدي ما لم تكن مؤيدة بالقوى الفعلية لتنفيذها
ولكن السياسة الإنكليزية ما زالت تعول على دستور عصبة الأمم في سعيها لرد عدوان السياسة الفاشستية. وهي تشير إلى مسألة العقوبات الاقتصادية التي نصت عليها المادة السادسة عشرة كوسيلة من وسائلها. والواقع أنه ربما كان لهذا السعي أثره المادي إذ أيدته الدول. فقد حدث في سنة ١٩٢١، حين غزت يوجوسلافيا الأراضي الألبانية، أن هددت عصبة الأمم بتطبيق العقوبات الاقتصادية، فكان ذلك كافياً لوقف الاعتداء. وقد عجزت العصبة في سنة ١٩٢٣ أن ترد السنيور موسوليني عن احتلال جزيرة كورفو البونانية تنفيذاً للبلاغ النهائي الذي وجهه إلى اليونان، ولكنها استطاعت بعد ذلك بعامين أن تحول دون اضطرام الحرب بين اليونان وبلغاريا من جراء النزاع بينهما على الحدود. وقد فطنت عصبة الأمم نفسها إلى هذا النقص الذي يعتور نص المادة (١٦)، وبحثت في أمره، وقررت في شأنه بعض التعديلات التي من شأنها أن تسهل الإجراءات في حالة الأزمات