وقال النحات:(أما أنا فقد صنعت له تمثالاً عظيماً يجمع إلى معاني الجبروت تهاويل الجمال، وإلى قوة البنية رشاقة القسمات تُرى أيغضب الإله مني وأنا مجسَّده؟)
وانتفض المصور وقال:(أأنا مغضب الإله إذن؟ لقد أخذت زرقة السماء وخضرة الأوراق واحمرار الشفق، ونزعت من الورود ألوانها، والتمست من ذلك كله صورة لألهنا الكبير فما زلت أعمل فيها وأنسقها حتى برزت حية ناطقة في إطار واضح مشرق. . .)
ويضطرب الناس، وتطغي عليهم حيرة جاهلة عمياء؛ تتبينها في الوجوه الواجمة، والنظرات الحائرة، والخطى الثقيلة! ويتداولون الأمر همسا ويلتمسون الخلاص من الخطب ويجمعون رأيهم على الذهاب إلى وادي عبقر، موطن الوحي والإلهام. فراحوا جميعاً إلى حيث يلاقون إلههم الغاضب، يتقدمهم الشاعر ساهم الوجه، تائه البصر، وحمل المصور لوحته وريشته العذراء، وتأبط الموسيقي قيثارته المشدودة الأوتار، وجمع النحات إزميله ومنقاشه وحجره. . .
وفي لمحة خاطفة، طلعت الشمس، وغردت الطيور، واستأنفت الأنهار سعيها، ثم لامست الوادي غيمة كبيرة بيضاء هبط منها الإله الجبار!!
وخر الناس من الخشية سُجداً يلتمسون البركة والضراعة والغفران! وكما يسمع الحالم في النوم سمعوا صوت إلههم يقول:
هو خادمكم الأمين يبذل عرق جبينه لصلاح مجتمعكم الواهي وينفق المال الذي بين يديه دون أجر غير أجري؛ لأنه يعطيكم أكثر مما يأخذ منكم، ويبني المستشفيات والملاجئ، ويقيم دوراً للعلم فنسيتموه أو تناسيتموه!
وحق عظمتي، لولا رحمتي التي وسعت كل شيء لجعلت الأرض فوقكم قاعاً صفصفاً. . .