حين، لأنها تكون عادة أسماء بعض الأفراد أو الجماعات المضطهدة، بحيث يستدل من ذلك على مبلغ غلو الدولة القائمة وشدتها على الفرق المناوئة فمثلاً إذا علم القارئ أن العلويين والشيعة كانوا مضطهدين في الدولة الأموية، فانه يستطيع أن يستدل على مقدار هذا الاضطهاد إذا ذكر أن الناس في أيامها كانوا كما يقول المستشرق (مارجليوث) يتحاشون تسمية الأبناء والأحفاد بأسماء علوية كعلي والحسن والحسين وأشباهها.
وبعد فقد أوردنا لك بعض فلسفة الأسماء موضحة بالأمثلة النظرية، ولكننا لم نشرح لك كيف كان استغلال العلم الحديث لها، لأن هذه الأمثلة على وفرتها قليلة النفع من ناحية عملية تطبيقية إن لم تكن عديمته، لأن الحياة العربية الجاهلية من الأزمنة التاريخية التي تتوفر فيها النصوص والوثائق والآثار. ومن هنا قطعنا بأن الحاجة غير ماسة إلى استيضاح الأسماء العربية وتفصيل ما تنطوي عليه من ألوان هذه الحياة المتنوعة.
وإنما تتبين فلسفة الأسماء الخاصة وترجح قيمتها العملية المحسوسة في الأبحاث الدقيقة المنعقدة حول حياة الإنسان الأولى، التي لا تجد لدرسها من المصادر الأولية سوى اللغات وبعض الآثار الجيولوجية التي نراها نكتشف بين حين وحين، وينفض الغبار عنها فتقيم المعوج من هذه الدراسات وتنير المهم المستغلين.
فمن ذلك أن اصل اللغات الأوروبية ظل إلى عهد قريب مجهولاً أو في حكم المجهول، فنشأت حول ذلك نظريات عديدة متباينة، لكل نظرية أنصار متحزبون وعلماء محققون، ثم إن بعض الثقات حاولوا درس هذه اللغات بطريق القياس والمقابلة فخرجوا من هذا الدرس بنتائج باهرة لم يتسق للمنطق والتاريخ أن يتوصلا إليها. إذ وجدوا أن بين اللغات الأوروبية على اختلافها من ناحية واللغة السنسكريتية - اقدم اللغات الهندية الموجودة - من ناحية أخرى كثيراً من الشبه في القواعد والأوضاع اللغوية، كما وجدوا أن فيها بعض الأسماء المشتركة كبعض أسماء الأعداد والأجناس ونحوها، فاستخلصوا من ذلك أنه لا بد من أن تكون اللغات الأوربية والهندية من فصيلة واحدة دعوها باللغات (الأندو أوروبية) -
وإذ انتهوا من ذلك فانهم حاولوا أن يستدلوا بهذه الأسماء على مواطن (الأندو أوروبين) الأصلي ووصف بيئتهم الطبيعية والاجتماعية، وما إذا كانوا يعرفون البحر والأحراج