ولما توجه خالد إلى الشام استبد المثنى بأمرة العراق، وكان بطل موقعة بابل وفيها قتل الفيل
قال الفرزدق يعدد بيوتات بكر:
وبيت المثنى قاتلِ الفيل عَنوة ... ببابل إذ في فارسٍ مُلك بابل
ثم سار المثنى إلى أبي بكر ليخبره بجلية الأمر في العراق، فوفاه مريضا قد أشفى، فأوصى أبو بكر عمر قال:(فان أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى.) وسار الناس إلى العراق وأميرهم أبو عبيد الثقفي. فلما كانت موقعة الجسر التي زلزل فيها السلمون وقطع جسر الفرات وراءهم فتهافتوا في الماء وقف المثنى في أنجاد من العرب ينادي:(أيها الناس! إنا دونكم فاعبروا على هينتكم، ولا تدهشوا، فأنا لن نزايل حتى نراكم في ذلك الجانب). وحمى المثنى الناس حتى عبروا. ثم خلق المثنى من الفلول المهزومة يوم الجسر نصرا بهرا في موقعة البويب برأيه وسياسته وشجاعته، واحتسب فيها أخاه مسعودا؛ ثم تكاثر الفرس عليه فكتب إلى عمر، فأمره أن يتنحى بالناس حتى يأتيه أمره. ثم أرسل عمر سعد بن أبي وقاص في حشد عظيم، وانحاز المثنى إلى ذي قار. وقدم سعد إلى زرود ينتظر المثنى، ولكن الأسد المرزأ، والمسعر المجرب، انتفضت به جراحات يوم الجسر. فبينما سعد يرجو مقدمه جاءته وصيته تحملها امرأته سلمى وأخوه المعنى. عمل سعد بوصية المثنى وأمر أخاه مكانه، ثم تزوج امرأته. وقد شهدت سلمى وقعة القادسية، فلما حمى الوطيس؛ واستكلبت الموت على الأبطال، نظرت فلم تجد المثنى يسوس الأنجاد، ويقود الجلاد، فصاحت:(وامثنياه! ولا مثنى اليوم للخيل). مات المثنى وشهد له التاريخ أنه (كان شهما شجاعا ميمون النقيبة حسن الرأي. أبلى في حروب العراق بلاء لم يبله أحد)
- ٣ -
فيا شباب بغداد الذين أنشأوا نادي المثنى ليحيوا ذكره! اذكروا فيه الرجولة الكاملة، والشجاعة البالغة، والمجد والسؤدد، والعمل المخلد. اذكروه قائدا مقداما، وأميرا حازما، وسيدا مطاعا، وجنديا مطيعا. اذكروه حرا أبيا، ومثلا عربيا، وخلقا عاليا. واستمدوا من ذكراه وذكرى أمثاله أخلاقا صلبة تقيكم رخاوة الحضارة، وعزيمة ماضية ترفعكم عن ذلة