للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى هذه الفروق فأفردوا ألفاظ الكتاب وعباراتهم بمعجمات خاصة، منها كتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن بن عيسى الهمذاني، وجواهر الألفاظ لأبي الفرج قدامة بن جعفر وغيرهما؛ وفي كتاب زهر الآداب للقيرواني فصول كثيرة خاصة بألفاظ الكتاب وعباراتهم في كل غرض من أغراض الكتاب والمنشئين في ذلك العهد. ولم أجد من العلماء فيما راجعت من أفراد ألفاظ الشعر والخطابة بمعجم خاص، وذلك يرجع فيما أظن إلى أن ألفاظ كل صناعة من هذه الصناعات الثلاث لا تتيسر معرفتها معرفة صحيحة إلا لأهلها المشتغلين بها، والمتوفرين عليها، بل فحولها المبرزين، وأعلامها المتميزين، لا لكل من أشتغل بها، فلا يمكن الكتاب أن يدركوا من أسرار لغة الشعر والخطابة ما يدرك الشعراء والخطباء أنفسهم منها، وكذلك الشعراء لا يدركون من دقائق ألفاظ الكتابة وألفاظ الخطابة ما يدركه الكتاب والخطباء أنفسهم من ذلك. وإذن فلا يستطيع تدوين لغة الشعر ولغة الخطابة غير الشعراء والخطباء أنفسهم؛ ولما كان أكثر الشعراء والخطباء لا يعنون بتأليف الكتب وتصنيف الرسائل عناية الكتاب بذلك لقلة حذقهم بصناعة التأليف فقدت المكتبة اللغوية العربية قسمين عظيمين من هذا النوع الطريف المفيد من المعجمات

وإنك لتجد فقدان اللغة الشعرية في شعر كثير من شعراء عصرنا ممن لا يرون للبيان اللفظي أية قيمة في الشعر، ويرون المعاني هي كل شيء، ولو أديت بأسوأ لفظ وأضعف بيان

وقد سبق في بعض الفصول أن ذكرت للقراء قول بعضهم في حسن النظم والصياغة اللفظية ما نصه: إنه كمال أدنى إلى النقص، وإحسان أقرب إلى الإساءة. وقول الآخر في حسن الصياغة اللفظية أيضا: لقد انقضى عهد الثرثرة والصياغة اللفظية ولن يكون الشعر الجديد شرابا يسقى بالملعقة في غير جهد لمتناوله! فتراه يسمي حسن البيان والصياغة اللفظية ثرثرة، ويقول: أن عهد ذلك قد انقضى! كبرت كلمة يقولها هذان الكاتبان وأمثالهما، إن يقولون إلا خطأ يمليه العجز والغرض

والغريب أن نسمع ذلك في عصر يتعاون فيه الأدباء والعلماء والمفكرون مع أولي الأمر في جميع الأقطار العربية على ترقية اللغة ونشر الثقافة البيانية بإنشاء المجامع اللغوية، وطبع أمهات الكتب الأدبية، ودواوين فحول الشعراء المتقدمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>