للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بليتُ وكان المزحُ بدء بليتي ... فأحببت حقاً والبلاءُ له بدْو

وُعلِّقْتُ من يزهو على تجبراً ... وإنيَ في كل الخصال له كُفو

رأيتُ الهوى جمر الغضا غير أنه ... على كل حال عند صاحبه حلو

ثم أنشدني:

خليلي مالي لا تزال مضرتي ... تكون مع الأقدار حتما من الحتم

يصاب فؤادي حين أُرمي ورميتي ... تعود إلى نحري ويسلم من أرمي

صبرت ولا والله ما بي جلادة ... على الصبر لكني صبرت على رغمي

ألا في سبيل الله جسمي وقوتي ... ألا مسعد حتى أنوح على جسمي

تُعدُّ عظامي واحداَ بعد واحد ... بمحني من العذال عظما على عظم

كفاكِ بحق الله ما قد ظلمتني ... فهذا مقام المستجير من الظلم

قال مسلم: فقلت له لا والله يا أبا إسحاق ما يبالي من أحسن أن يقول مثل هذا الشعر ما فاته من الدنيا؛ فقال يا أبن أخي لا تقولن مثل هذا، فان الشعر أيضا من بعض مصايد الدنيا

وأما مدحه فقد كان مدحا تجاريا لم ينطق فيه عن عقيدة، بل كان يمدح به قوما يخالفونه في عقيدته الشيعية، ولا يقصد من ذلك إلا الحصول على المال الذي أباح الشيعة أخذه من المتملك لأنه حق لهم، فسار أبو العتاهية في مدحه بقدر ما يصل به إلى هذا الغرض، ولم يدخل به في الخصومة السياسية التي كانت قائمة في عصره بين العباسيين والعلويين، وذهب فيها كثير من الشعراء مذاهب باطلة، ودفعهم حب مال العباسيين إلى أن يجعلوا حقهم في ملك المسلمين بالإرث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يشاركهم فيه العلويون ولا غيرهم من المسلمين، وفي هذا يقول قائلهم:

أنَّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وِراثةُ الأعمام

ولم يفرح العباسيون بشيء فرحهم بهذه الفكرة الخاطئة، فعدوها أكبر نصر لهم على خصومهم من العلويين، وأغدقوا على من أبتكرها لهم شعرا ما لا يحصى من الأموال، وحملوا الشعراء على التفنن فيها، وتصريف الشعر في تأييدها ونشرها

فلم يصل مدح أبي العتاهية للعباسيين إلى هذا الحد، ولم يبع عقيدته بأموالهم فيفضلهم على العلويين أو يذمهم من أجلهم، بل كان على حبه للمال وبخله به يعرف كيف يرفضه إذا كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>