للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قلت: أحب أن أعلم منك قصة هذه الحياة ما كان أولها؟

قالت: لقد قضيت من حكمك فينا، ولكنك أخطأت، فلكل ليل مظلم كوكبه؛ والكوكب الوقاد المعلَّق فوق ليل المرأة منا هو إيمانها. نعم إنه ليس كإيمان الناس في واجباته ولكنه كإيمان الناس في تعزيته، والله ربُّنا وربُّكم

قلت: لو أطيع الله بمعصيته لاستقام لك هذا. وإنما أنت تصفين الإيمان الأول الذي كان عملاً فصار ذكرى، فصارت الذكرى أملاً، فظننتِ الأمل هو الإيمان

قالت: ثم إننا جميعاً مكرهات على هذه الحياة فما نحن إلا صرعى المصادمة بين الإرادة الإنسانية وبين القدر

قلت: ولكن لم تهف واحدة منكن في غلطتها الأولى وهي مستكرهة على غلطة؛ بل وهي راغبة في لذة، أو مبادرة لشهوة، أو طالبة لمنفعة

قالت: هذا أحد الوجهين؛ أما الآخر فالتماس الرزق وصلاح العيش. فالرجل مع الرجل رأس ماله قوَّته، وعمله بقوته؛ ولكن المرأة مع الرجل رأس مالها أنوثتها، وعمل أنوثتها. وفي الوجه الأول وجه اللذة والمنفعة، تحتال كلمة الفجور على المرأة بكلمات رقيقة ساحرة، منها الحبُّ والزواج والسعادة، فتستسلم المرأة مضطرة ليقع شيء من هذا. وفي الوجه الثاني وجه الرزق والعيش، تحتال الكلمة الخبيثة الفاجرة على المرأة المسكينة المستضعفة بكلمات رهيبة قاتلة، منها الجوع والفقر والشقاء، فتسقط المرأة مضطرة خيفة أن يقع شيء من هذا؛ وفي أحد الوجهين يكون الرجل هو الفاجر لفساد آدابه، وفي الوجه الآخر يكون الفاجر هو المجتمع لفساد مبادئه

قلت: أنا لا أنكر أن المرأة إذا سقطت في هذه المدينة لم تقع أبداً إلا في موضع غلطة من غلطات القوانين، وآفة هذه القوانين إنها لم تسن لمنع الجريمة أن تقع، ولكن للعقاب عليها بعد وقوعها. وبهذا عجزت عن صيانة المرأة وحفظها، وتركتها لقانون الغريزة الوحشي في هؤلاء الوحوش الآدميين الذين يأخذهم السعار من هذه الرائحة التي لا يعرفها إلا في اثنين: المرأة الجميلة، والذهب. فما ألجأت امرأة حاجتها أو فقرها إلى أحدهم ورأى عليها جمالاً إلا ضربه ذلك السعار، فإن استخفَّت بنزواته وتعسّرت عليه طردها إلى الموت ومنعها أن تعيش من قبله، وإن صلحت له وتيسرت، آواها هي وطرد شرفها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>