للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مطامعه وغاياته التي كان يسترها بالأمس لضعف في أهبته؛ نرى ألمانيا بعد أن استعادت حريتها في التسليح وأخذت تستأنف أهبتها العسكرية، تطالب بتعديل حدودها واسترداد مستعمراتها؛ ونرى فرنسا تعمل بكل ما وسعت لمضاعفة أهباتها وتوطيد الجبهة التي حشدتها ضد ألمانيا، ونراها لا تحجم في هذا السبيل عن مناصرة إيطاليا في مشروعها الدموي لافتراس الحبشة، لكي تستبقي صداقتها وعونها ضد ألمانيا في الغد المرتقب، ونرى حمى الحرب تسري إلى جميع أرجاء أوربا، والدول جميعاً تأخذ أهبتها لمعركة عامة لم يبق على نشوبها إلا مسألة زمنية، وقد تنشب في أية لحظة في أسابيع أو أشهر قلائل

والخلاصة أن العالم، بعد أن تبدد حلم السلام الزائف يجد نفسه في نفس الحالة النفسية والواقعية التي كانت في سنة ١٩١٤؛ وبعد أن كان حديث الحرب قبل عامين أو ثلاثة يعتبر مسألة بغيضة بعيدة الاحتمال، إذا بشبح الحرب الأوربية يحلق في الأفق واضحاً قوي النذير، وليس من ريب في أن الفاشستية تحمل كثيراً من تبعة هذا التطور الدولي الخطر؛ ولقد كان انهيار الديموقراطية في إيطاليا وألمانيا وغيرهما محنة بعيدة الأثر؛ ذلك أن الديموقراطية أكثر إيماناً بمبادئ السلام والإنسانية؛ وأما الفاشستية وزعامتها الغاشمة فلا تؤمن إلا بالقوة العنيفة، ولا تؤمن بحق الفرد أو الأمة، ولا تسيرها سوى العوامل والشهوات الحزبية والمذهبية الضيقة؛ وقد عملت الفاشستية باستمرار على إذكاء الأحقاد الجنسية والقومية، وعلى إضرام روح العدوان والحرب، وإضرام المطامع والمنافسات القديمة التي كانت من أكبر العوامل في إثارة الحرب الكبرى، فهي اليوم تحمل أكبر تبعة في خلق هذه العقلية العسكرية المتحفزة التي تعمل لإشعال نار الحرب بكل ما وسعت من جرأة واستهتار بكل مبادئ الحق والسلام

إن التاريخ يعيد نفسه بصورة واضحة؛ ولقد كانت القوة وما زالت خلال العصور عماد السياسة القومية؛ وليس التاريخ كله سوى مراحل متعاقبة من نضال قومي لا تفوَّق فيه لغير القوة الغاشمة، ولم يتقدم العالم خطوة في هذا المعنى عما كان عليه في العصور الوسطى؛ ولقد كان ممكناً أن تكون عصبة الأمم ومبادئها رمزاً للتقدم في تقدير الحقوق القومية والسلام العالمي، لو لم تعرض العصبة منذ بدايتها لتأثير نفس الأهواء بوسائل وأسماء أخرى،، ولو لم تنابذها دول قوية كاليابان وألمانيا، لأنها لم تستطع أن تؤثر في توجيهها؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>