في وقتنا هذا سواء أدرك ذلك أم لم يدركه، وسواء رغب في ذلك أم رغب عنه؟ ومن ذا الذي تبلغ به الجرأة على أن ينادي بالاكتفاء بالأدب الأوربي عن الأدب اليوناني، والاستغناء عن المثال اكتفاء بالقياس؟
قال الأستاذ جيب في كتاب (تراث الإسلام) مقارنا بين أدب اليونان والعرب؟: (من أهم مميزات الأدب العربي والفارسي أنه عاطفي وأن الطالب الذي نشأ على حب المثل اليونانية في الأدب لن يجد في أدب العرب والفرس تلك الصفات التي امتاز بها أدب اليونان والتي هي السر في قوته الساحرة الباقية على مدى الزمان، وبرغم ما فيه من قوة الصياغة التي قد يفوق فيها قوة الصياغة في أدب اليونان، فإن فيه جمودا وفي أدب اليونان تنوعا، وفيه إغراق ومبالغة وفي أدب اليونان شدة ووقار، وقد بلغ الكتّاب اليونان واللاتين ما بلغوه من العظمة بتوخي البساطة والسهولة وعدم الاندفاع. بينما الكاتب الشرقي ينسج آياته فيملأها بالبديع الغامض من اللفظ، ويلتمس لها الاستعارات والكنايات البعيدة الخلاّبة. واليوناني يؤثر في الفكر بواسطة الجمال الخالص. أما العربي أو الفارسي فيؤثر في الحاسة أو في الخيال بما يأتي به من الألوان الساحرة).
والآن أليس من المحتمل أن قد يتاح لأبناء مصر أن يوفقوا بين المثل الأدبية العربية واليونانية؟ أليس ممكنا أن تعليما يتناول دراسة الأدبين العربي واليوناني في آن واحد، قد يأتي بنتائج لا يحلم بها أحد، ويوجد في الأدب العربي ثروة جديدة، إذ يكون سببا في خلق مسرح قومي وأناشيد وقصائد وتاريخا ونقدا أدبيا، وهذا كله يجمع مزايا كل من الأدبين ويفوق كلا منها؟ فهل يكون أملاً بعيداً أن نرجو أن الجامعة المصرية قد تصبح يوما ما ذات شهرة عظيمة في أمور كثيرة، ومنها أنها المعهد الذي يساعد على إيجاد مثل ذلك الأدب؟
في القرن الثالث الهجري، كتب الجاحظ وهو بالبصرة:(إننا لو لم تكن لدينا كتب الأوائل التي خلّدوا فيها حكمتهم وعلمهم والتي ذكروا فيها تاريخهم وأعمالهم حتى نكاد أن نراهم بأعيننا. ولو لم تكن عندنا ثروة تجاريهم، لكان حظنا من الحكمة والعلم صغيرا ضئيلا). هكذا كتب الجاحظ وما كان نصيبه من حكمة القدماء إلاّ نزرا يسيرا. فهل نكون نحن أقل اعترافاً منه بالجميل مع أن نصيبنا أكبر وأوفر؟