الأبدية:(القرآن) قد جعل يرتقي حتى بلغ في أيدي كبار الأساتذة أمثال الجاحظ والحريري والهمذاني على مرتبة عالية من الكمال. وبهذه الصورة نما للعرب أدب خاص ممتاز وأصبح تراثا عظيما آل اليوم إلى البلاد الإسلامية.
ولكني وإن علمت ما امتاز به هذا التراث من عظمة واتساع ورقي. فإني على ذلك لا أتردد في أن اقرر بأن الذكاء العربي قادر بعد على إنتاج ثمرة لا تقل عن تلك المنتجات. بل لقد تفوقها وأنا زعيم بأن بلوغ تلك الغاية على أكمل وجه إنما يكون بدراسة آداب اليونان والرومان.
إن جميع الآداب الأوربية الحديثة مدينة دينا لا يمكن حصره للآداب اليونانية واللاتينية، وحسبنا أن نذكر تلك الحقائق المألوفة عن عصر النهضة في غرب أوربا وكيف أن استكشاف الآداب اليونانية من جديد - على أثر استيلاء الأتراك على الأستانة وانتشار العلماء والأسفار اليونانية في أوربا - كان باعثا لحياة جديدة في ميدان العلم والأدب، ووسيلة لغرس بذور الآداب القومية في كل بلد من البلاد الأوربية. . . .
في الوقت الحاضر نرى الآداب الأوربية الحديثة تدرس بحماس وبتقدير يبعثان على الإعجاب. وحاشاي أن أحاول الغض من هذا الحماس والنشاط. بل أني لأرى في المقالات التي كتبها المنفلوطي ومدرسته والكتّاب المعاصرون أمثال العقاد ومنصور فهمي وسلامة موسى وغيرهم من أعضاء ذلك الرهط النابغ من الكتّاب بعثاً جديداً في الأدب العربي. وخصوصا وفوق كل شيء نرى تلك النهضة في نبوغ شوقي الذي لا يضارع إعجابنا به إلاّ حزننا على فقده. وفي تلك الروايات التمثيلية التي أثمرها فكره الناضج الجميل.
ولكن إذا ما ذهبنا لرؤية رواية من رواياته تمثل في أحد المسارح فلنذكر أن الفن التمثيلي إنما ولد في بلاد اليونان، وإن ما خلفه الإغريق من القطع التمثيلية التي هي للعالم ذخر يعتز به ويحرص عليه، منذ خمسة وعشرين قرنا، لأنها هي أكمل وأبدع الروايات التمثيلية التي أنتجها الفكر البشري. لنذكر ونحن نقرأ روايات شكسبير وكورني وجوتيه، انه لولا اليونان لما كانت تلك الآثار وكذلك فنون الأدب الأخرى، فان مرجعنا فيها إلى أدب اليونان والرومان، الذي هو المنبع والمرجع لكل من آداب الأمم العربية. والآن يحق لنا أن نتساءل هل يجوز أن تستبعد الآثار اليونانية من النهضة الجديدة التي يعيش في ظلها كل مصري