ذكر أمراء اليونان حتى كيلوباترا، وكذا قياصرة الروم. ولكنهم كانوا يجهلون المؤرخ تيو سيديد، ولا يعرفون اسمه. أما هوميروس فلم ينقلوا عنه غير جملة واحدة وهي:(لا يكون الحكم إلاّ لواحد). ولم يكن لهم أدنى دراية بالشعراء والروائيين من الإغريق.
ولكن مثل هذا الحكم ليس عادلا تماما. حقيقة لم يكن للمسلمين الأولين إطلاع على القسم الأعظم من أدب اليونان. ولم يكن لهم علم بحياة الإغريق، ولم يهتموا بمعرفتها، ولكن لو أن المصادفة ساقت إليهم هذه الآثار المجيدة، أكان يتعذر عليهم أن يتذوقوها ويقدروها حق قدرها. أليس الأرجح أن شعبا متوقد الذكاء، شديد الإحساس بالجمال، مثل الشعب العربي هو أقدر الناس على تقدير محاسن الأدب اليوناني، كما أمكنه أن يقدر ويفهم دقائق الفلسفة اليونانية؟ ولكن ظروفاً سيئة حالت بين العرب والأدب اليوناني. ففي وقت نشأة الإسلام كانت الدولة البيزنطية يغشاها ظلام. وأشد العصور التي مرّت بها حلكة وظلاما هي المدة ما بين ٦٤١ و ٨٥٠. ويحدثنا عن الحالة في أول هذه الفترة فيقول في كتابه عن تاريخ الدراسات اليونانية واللاتينية: أن القيصر ليو الثالث الذي استطاع أن يرد إغارة العرب على القسطنطينية. وأن يعيد تنظيم الإمبراطورية سواء من الناحية الحربية أو المدنية. لم يصنع مع هذا كله شيئا لتشجيع العلوم. بل لقد حرم معهد العلوم الإمبراطوري من ممتلكاته بالقرى من أيا صوفيا. وطرد رئيس المعهد ومعه إثنا عشر معلما كانوا يتولون مع نيوريس الفنون والفقه. وكذلك يروي بعض المؤرخين انه أمر بإحراق مكتبة المعهد، وبها نحو ثلاثة وثلاثين ألفاً من المجلدات في موضوعات دينية وغير دينية، ولئن كانت هذه حالة دولة اليونان في هذا العصر أي في العصر الذي اتسع فيه نفوذ الثقافة اليونانية في البلاد العربية، فكيف ترجو أن يعنى العرب بدراسة الآداب اليونانية واللاتينية؟ أما الفلسفة والعلوم المفيدة فقد كان لها عندهم المكان الأول، نظرا للظروف الخاصة التي دعت للاهتمام بهما: إذ كانت الفلسفة عندنا على الجدل الديني، والعلوم النافعة مثل الطب والهندسة، من بواعث الراحة المادية للإنسان. وكذلك يجب ألاّ تنسى أن العرب كان لهم أدب زاهر لا مراء في أنه من الرقي بمكان عظيم. وكأنما وجد الناس في القصائد الجاهلية وفي المدائح والمراثي والمنظومات المختلفة التي تغنى بها الشعراء الأمويون والعباسيون، وجد الناس في هذا كله بغيتهم من الخدمة الأدبية. أما النثر فانه من بعد تلك المعجزة