للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المراد منه. فتلك قوة كهربائية متى نَبَضت جمعت أول العالَم بآخره. وهذه هي الحكمة في أن آية الإسراء لم تذكر أنه كان محمولاً على شيء إذ لم يكن محمولاً إلا على الروح الأثير.

وما دامت القوةُ الملائكية والقوة الطبيعية قد سُخرتا له صلى الله عليه وسلم فلا معنى لأن يكون ذلك للروح وحدها، بل اجتماعهما معاً في القصة دليل على أن سر المعجزة إنما كان في تيسير ملاءمة جسمه الشريف لهاتين الحالتين؛ فيتحول في صورة كونية ملائكية بين سر الملك وسر الطبيعة، وحينئذ لا تجري عليه أحكامُ الحواس ولا أحكام المادة.

ومن الممكن أن تتحول الأجسام إلى حالتها الأثيرية في بعض الأحوال الخارقة، وبهذا يعلَّل طيُّ الأرض لبعض الروحانيين وتعلل خوارق كثيرة مما يَحدث في استحضار الأرواح لهذا العهد ومما يأتيه فقراء الهند، ومما كان يصنعه (لاهوديني) الأمريكي إذ كانوا يغلِّلونه بالسلاسل والقيود ثم يرونه طليقاً؛ ويحبسونه في السجون المحصَّنة يقوم عليها الحراس وتُمسكه فيها الأبواب والجدران، ثم يجدونه في بعض الفنادق.

وليس للعقل أن ينكر شيئاً من هذا ونحوه فان تركيب الطبيعة ردٌّ عليه، ونقصه هو ردٌّ على نفسه، والمستحيل على الأعمى هو أيسر الممكنات على المبصر.

فأنت ترى أن ذكر البراق والملك في أساس قصة الإسراء والمعراج هو صلة القصة بالمعجزة وهو عينه صلتها بالبرهان العلمي ولو لم يكونا فيها لما كان لها تفسير.

والقصة بعد ذلك تثبت أن هذا الوجود يرق وينكشف ويستضيء كلما سما الإنسان بروحه، ويغلظ ويتكاثف ويتحجب كلما نزل بها، وهي من ناحية النبي صلى الله عليه وسلم قصةٌ تصفه بمظهره الكوني في عظمته الخالدة كما رأى ذاته الكاملة في ملكوت الله، ومن ناحية كل مسلم من أتباعه، هي كالدرس في أن يكون لقلب المؤمن معراجٌ سماويّ فوق هذه الدنيا ليشهد ببصيرته أنوار الحق، وجمالَ الخير، وتجسد الأعمال الإنسانية في صورها الخالدة؛ فيكون بتدبره القصة كأنما يصعد إلى السماء وينزل؛ فيستريح إلى الحقائق الأساسية لهذه الحياة فيدفع عن نفسه بذلك وتعقُّد الأخيلة الذي هو أساس البلاء على الروح.

ومتى استنار القلبُ كان حياً في صاحبه وكان حياً في الوجود كله. ومتى سلمت الحياة من تعقيد الخيال الفاسد لم يكن بين الإنسان وبين الله إلا حياةٌ هي الحق والخير، ولم يكن بينه

<<  <  ج:
ص:  >  >>