للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عادت كما كانت ولا يُفَتّر عنهم من ذلك شيء. فقال ما هذا؟ قال جبريل: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحمٌ نضيج في قدر، ولحمٌ آخر نيء في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويَدَعون النضيج. فقال ما هؤلاء؟ قال جبريل: هذا الرجل تكون عنده المرأةُ الحلالُ الطيّب فيأتي امرأة خبيثة، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيباً فتأتي رجلاً خبيثاً. ثم أتى على رجل قد جمع حزمةً عظيمةً لا يستطيع حملَها وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الرجل تكون عليه أماناتُ الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها. ثم رأى نساءً معلَّقاتٍ بثديِّهن، فسأل، فقال جبريل: هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم.

ونحن على الرأي الذي عليه جمهور العلماء من أن الإسراء والمعراج كانا بالجسم والروح معاً على التأويل الذي سنبينه. ويثبت ذلك قوله تعالى في سورة (والنجم): (إذ يغشى السِّدرةَ ما يغشَى، ما زاغ البصرُ وما طغى). فلا يكون البصر يزيغ ويطغى إلا في الجسم ولا ينتفي عنه ذلك إلا وهو في الجسم. ولم ينتبه أحد من المفسرين إلى المعنى المعجز العجيب في قوله ((وما طغى)؛ فذلك نص على أنه كان يرى بجسم قد تحول عن الطبيعة الآدمية المحدودة فليس فيه منها شيء، إذ لا يكون طغيان البصر إلا من تسلط الخيال عليه بأهواء الجسم التي لا يستقيم بها حكم على حقيقته، فما زاغ البصر بكونه مقيد الحاسة، ولا طغى بكونه مطلق الخيال، بل كان كما يُريه الله من آياته، أي كان حقيقةً كونيةً في غير حالتها الأرضية الناقصة.

والذين قالوا إن الإسراء والمعراج كانا رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم؛ احتجوا لذلك بقوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) وقد خلط المفسرون في هذا أيضاً، وإنما كان التعبير بلفظ (الرؤيا) وهي التي تكون مناماً، لنفي تأثير الحواس على الرائي وإثبات أن الطبيعة الآدمية بجملتها كانت فيه كالنائمة عن حياتها الأرضية بحقائقها وأخيلتها معاً فليس نائماً كالنائم ولا مستيقظاً كالمستيقظ.

وفي أساس القصة جبريل والبراق؛ وهما القوة الملائكية، والقوة الطبيعية، أو الروح الملائكي والروح الطبيعي، ولم يوصف البراق بأنه دابة إلا رمزاً إذ لا يأتي للعرب أن يفهموا ما يراد منه وعندنا أنه سمي البراق من البرق، وما البرق إلا الكهربائية، وهذا هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>