النظام الدقيق في سيرها، كما أن الإنسان الفرد حُرٌّ في تصرفه إلى حد بعيد، ولكنه في المجموع يسير وفق أسس وقواعد لا تكاد تعرف الشذوذ.
نعم أستطيع أن أقوض علمك هذا من أساسه بضربة واحدة حين أُذكّرك بهذه الحقيقة العلمية التي تعترف للطبيعة بإمكان التغير في بعض جوانبها، فذلك وحده كفيل بتعليل أي تبديل في نظام الكون المعهود، ولكني سأفرض معك أن قوانين الطبيعة يستحيل عليها الخطأ، وأن المادة لا تملك لنفسها تغييراً ولا تبديلاً عما رسمه لها قانونها الأعلى، فمن ذا الذي زعم لك أن المعجزة كسر لقانون الطبيعة، وإنه لذلك يجب اطراحها ونبذها؟ نحن نسلم معك أن قانون الجاذبية صارم لا يقبل الشذوذ، وأن التفاحة إذا انفصلت عن فرعها سقطت من فورها على الأرض بفعل قانون الجاذبية هذا، ولكن هب يداً امتدت إلى التفاحة أثناء طريقها إلى الأرض فلقفتها فحالت بذلك بينها وبين الأرض، أيكون ذلك كسراً للقانون؟ كلا! القانون لا يزال قوياً سليماً، غير أن إرادة بشرية حالت دون تطبيقه لا أكثر ولا أقل. . . أإذا تركت أقلامك وكتبك مبعثرة في أرض غرفتك ثم عدت بعد حين فوجدتها صعدت إلى ظهر المكتب صفوفاً منظمة، أفنقول إن قانون الجاذبية قد انقلب رأساً على عقب لأن الكتب والأقلام قد صعدت إلى أعلى بدل أن تستقر على الأرض منجذبة بها؟ أم أنت جازم في مثل هذه الحالة بأن شخصاً بشرياً قد تدخل في الأمر بإرادته وحال بين قانون الجاذبية وبين تنفيذه حيناً، فأمكن للكتب بذلك أن تفلت من يده، ولكن القانون لا يزال قائماً لم يخدش ذلك من قوته وشموله؟! لا أحسبك مرتاباً في صحة هذا القول، فأنت موافقي ولا شك أن الإرادة البشرية قد تستطيع أن تتوسط بين القانون وبين تطبيقه فتعطله دون أن تبطله، نعم إنك موافقي على ذلك، ولكني لو حورت العبارة قليلاً سائراً بها نحو الأقوم والأصح فستغضب للعلم وكرامة العلم؛ لو زعمت لك أن لله إرادة حرة كهذه التي للإنسان، يستطيع بها أن يعطل قانون الطبيعة حيناً قد يقصر أو يطول ولكنه يظل قائماً معمولاً به لا يصيبه عطب ولا خسارة، كان ذلك الزعم مني في رأيك جهلاً وحماقة، يا رعاكالله! أفتستطيع أن تحدثني بما يبرر عندك أن يكون للإنسان ما ليس لله؟!!
معذرة، يا صديقي، فسأقص عليك حديثاً عن كلبي، وللحديث صلة بموضوعنا، فقد وضعت كتاباً بالأمس على مقعد إلى جانبي، فجاء الكلب يتحسس ويتجسس ويشم الكتاب، وأظنه قد