ولو أنا عرضنا قانون العقوبات ووضعنا بعض المواد الصماء تحت نظر الفاحص لوضحت فكرتنا، فمن المعروف قانوناً أن حرية النيابة في (تحريك) الدعوى العمومية وفي استعمالها ليست مطلقة كل الإطلاق، فهناك أحوال تحد من تلك الحرية، ومنها ما يستوجب الإذن من صاحب الشأن كالحال في دعوى الزنا. والزنا في القانون يختلف عنه في اللغة وفي الشريعة، وبهذا اقتصر القانون على اعتباره كذلك إذا وقع من الزوج أو الزوجة وشريكيهما، وأحاطه بشروط خاصة ضيقة اشترط فيها قيام الزوجية فعلاً أو حكماً. فالفعل الواقع من الزوج أو الزوجة أثناء الخطبة أو بعد الطلاق البائن لا يعتبر جريمة. وكأن القانون في نقله ذلك عن المواد ٣٣٦ - ٣٣٩ من قانون العقوبات الفرنسي قد أغفل الأخلاق الشرقية وتناساها وترك حبل الشيطان على غاربه، بل هو قد شجع على ارتكاب هذا العمل من غير الزوج أو الزوجة بالشروط الخاصة بجريمتيهما، بل أكثر من ذلك أتاح الفرصة للزوج أن يفعل فعلته النكراء في غير منزل الزوجية بلا عقوبة. وبذلك ترك الأسرة تتدهور بتدهور عائلها ووقف موقفاً غريباً في صدد المساعدة على التدهور الأخلاقي، فجعل الحق في رفع دعوى الزنا للزوج وللزوجة وحدهما، فإذا رضي أحدهما عن فعلة الآخر وقف القانون مكتوفاً لا يمكنه التحرك إزاء العمل على سقوط الأسر واختلاط الأنساب والقضاء على الأخلاق، بل إنه يقف حائلاً دون الزوج نفسه في (تحريك الدعوى العمومية) إذا ما وقعت منه يمين الطلاق وهو في جنون غيظه من جريمة زوجته، وبذلك تتقي الزوجة وشريكها صولة القانون ويكون الطلاق كأنه محا الجريمة قانوناً مع أنه لم يقع إلا بها.
ولا دلالة على نقل القانون المصري نقلاً جامداً عن القانون الفرنسي أكثر من وقوفه بالمادة ٢٠١ عقوبات في جانب الزوج الذي يقتل زوجته في حالة التلبس بالجريمة، معتبراً ذلك ظرفاً قانونيا مخففاً يعاقب فيه بالحبس فقط، ثم يأبى ذلك على الأب والأخ الذين يمتد إليهما عار الجريمة أكثر من الزوج، فالزوج يتخلص منه بالطلاق، أما هما فالعار قد لصق بهما. وهذه القاعدة الفرنسية كانت معقولة في فرنسا في وقت وضع قانون العقوبات الفرنسي إذ كان الطلاق وفقاً للمذهب الكاثوليكي غير جائز، وإذ كانت الجريمة من ذلك لاصقة بالزوج أكثر من التصاقها بأسرة الزوجة.