غادرت شارلوت فندقها في ذلك الصباح لمقابلة النائب دوبريه، فلما سلمته رقعة صديقه باربارو علم منها أن لصاحبتها أوراقاً تتعلق بأسرتها، وأن صديقه يرجو مساعدتها حتى تحصل عليها من وزارة الداخلية. وأنالها دوبريه بغيتها وقضت نشدتها في اليوم نفسه، وغادرته ولم تشر بطرف إلى رحيل أو بقاء. وفي باريس طالعت نواحي عديدة وصوراً متباينة، ولكنها لم تهتد إلى لقاء (مارا والتحقق من قسمات وجهه فقد احتبسه المرض إذ ذاك في منزله.
باتت ليلتها في الفندق، حتى إذا أسفر الصبح غادرته حوالي الساعة الثامنة لتشتري خنجراً، ثم لتأخذ عربة من ميدان الانتصارات ميممة مسكن مارا بشارع مدرسة الطب رقم ٤٤، حتى إذا بلغته حال مرضه دون لقائها، فأهمها أن تفشل في وسيلة ركزت فيها كل آمالها وأحلامها. يالشارلوت الجميلة المنكودة! ويالمارا القبيح المنكود! أي قدر يسعى بفتاة من (كان) في أقصى الغرب، وبرجل من نيوشاتل في أقصى الشرق ليلتقيا؟ وأي شأن يربط بين حظيهما فيجذبهما إلى أن يصطدما؟
وإذ عادت إلى فندقها بعثت إليه بورقة تحمل اسمها واسم بلدتها:(كان مهد الثورة)، وتحمل فوق هذا رجائها ولهفتها إلى لقائه، حتى تدفع إليه (ما يعينه على أن يسدي لفرنسا يداً) ولكنها لم تتلقى عليها جواباً، فخطت إليه أخرى أقوى من سابقتها رجاء وعاطفة، وحملتها بنفسها إلى مسكنه في مساء اليوم نفسه ١٣ يولية.
كان مساء شاحباً، وقد مضى على المساء الذي سقط فيه الباستيل أربعة أعوام كاملة، ذلك المساء الذي وقف فيه مارا على رأس جموع الشعب، طالباً من رجال فرقة الهوسار - حرس الباستيل وكانت قلوبهم مع الشعب - أن يخلوا أمكنتهم وأن يلقوا بأسلحتهم. وبهذا الحدث ارتفع مارا إلى الذروة - ذروة البطولة والوطنية، وها قد مضت أربعة أعوام حافلة - فأية طريق اشتقها مارا إلى المجد وأية طريق دفع بنفسه في شعابها؟
لقد كان في الآونة التي يممت فيها شارلوت صوب داره، ينتقع في حوض استحمامه، وقد تجرد من ملابسه إلا قليلاً، وكانت الساعة حوالي منتصف الثامنة مساءاً، وكان منهوكاً محطماً يحمل في يده قصاصات من الورق، وأمامه منضدة مثلثة القوائم، يتكئ عليها كلما هم بالكتابة. كان وحيداً في مسكنه اللهم إلا إذا اعتبرنا خادمه الشوهاء رفيقة تطرد الوحدة