للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتخفف أثقالها. فهل انتهى به الطريق إلى أن يلقى خاتمته على هذا الوضع وفي تلك الصورة؟

قُرع الباب وتكرر القرع، ونفذ إلى مسمعيه صوت ليّن حلو، يرفض صاحبه أن يغادر مكانه من الباب أو تقضى حاجته. كانت صاحبته هي المواطنة شارلوت كورداي، تلك التي تريد (أن تعينه حتى يسدي للوطن يداً) - عرف (مارا) من كلماتها تلك أنها صاحبة الرقعة الأولى التي وصلته، فنادى خادمه: أن دعيها تدخل؛ ودخلت شارلوت قائلة: (أيها المواطن مارا! إنني من (كان) مهد الثورة، وأريد أن أفضي إليك بأمر).

فرد عليها قائلاً: (اجلسي يا طفلتي! ما وراءك من أخبار كان وأخبار خونتها؟ ومن ترى فيها من النواب الآن؟).

ولما سمت له شارلوت بعض النواب، زمجر (صديق الشعب) قائلاً: (ستطاح رؤوسهم في مدى أسبوعين)؛ واجتذب المنضدة إليه ثم أخذ يكتب (باربارو، بتيون. . .) واستدار في الحوض مصلحاً من جلسته (بتيون. . . لوفيه و. . .)، وفي أسرع من اللمح استلت شارلوت خنجرها من غمده، ثم أهوت به إلى قلبه. لم تمهله حشرجة الموت طويلاً؛ فلم يستطع إلا صرخة واحدة: (إليّ يا عزيزي - الغوث يا عزيزي!) سارعت الخادم إليه فإذا به لقي لا روح فيه، وقد انكفأ على وجهه الذي بدا مغيظاً محنقاً. . . وهكذا قضى مارا (صديق الشعب) وليس إلى جواره صديق!

إلى هنا تمَّ لشارلوت ما دبَّرت وأنّى لها أن تلقى جزاء عاجلاً محتوماً. . . فقد تدفق الجيران على صرخة مارا الأخيرة والتفوا بشارلوت التي قاومت قليلاً، حتى إذا حضر الشرطة أسلمت نفسها لهم طائعة. واقتيدت لتوها إلى سجن (أباي حيث احتوتها إحدى غرفه هادئة ساكنة، وقد ماجت باريس حول محبسها، ودَوَّت أصوات الشعب في خليط يتذبذب بين الدهشة والغضب والإعجاب.

بعد أيام أربعة، طالعت الجموع المحتشدة في قصر العدالة، حيث تعقد محكمة الثورة، وجه شارلوت جميلاً هادئاً كعادته، وما إن دخلت القاعة حتى سرت فيها همهمة ليس من السهل أن نستبين العاطفة التي أوحتها! - وهنالك وقف تنقيل ليقيم الدعوى مستعيناً بالشهود وببائع الخنجر الذي حضر المحكمة ليدلي بالواقعة أمامها، ولكن شارلوت قاطعته قائلة (لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>