هنا وهنا؛ ورأوا إلى هكتور كالأسد الهصور يزلزل الساحة بزئيره؛ ويثير في قلوب جنوده الحمية بافدامه، وأينما توجه الموت في ركابه، وقطرت المنية من سنان سيفه، وانقدح الشرر من حوافر خيله، وتناثر الزبد من أشداقها، فيكون سُماً في قلوب الهيلانيين.
وطرب الطرواديون لهذا النصر المفاجئ، وشاعت الخيلاء في أعطافهم حين أبصروا فرأوا أوليسيز يغادر الميدان متأثراً بجراحه، وأجاممنون يفر بنفسه كأحقر الأجناد، وديوميد محمولاً إلى سفينته كمن يجود بروحه، وأجاكس العظيم يولي دبره غير متحرّف لقتال. . . . فأوقدوا مشاعلهم، وأججوا نيرانهم، واعتزموا إضرامها في أساطيل الأعداء، ليكفوا طروادة شرورهم، وليأمنوا آخر الدهر مكرهم، وليتم نصرهم. . .
وهنا. . . . . . . . . . . . . . .؟!!
انتفض بتروكلوس! بتروكلوس الكبير، صديق أخيل، وأعز الناس عليه، وجذوة الحماسة المتأججة في ضلوع الميرميدون!
لقد نظر بتروكلوس فرأى جموع الهيلانيين تنهزم إلى البحر فتلقى بعتادها فيه، ثم يسبح منهم من يسبح إلى الأسطول الحزين بدا عليه كأنه يرثى لرجاله، ويبكي على أبطاله، ثم يغرق منهم خلق كثير، فيبتلعهم اليم. . . إلى غير عود. . . ونظر فرأى الطرواديين وأحلافهم وعلى رأسهم هكتور الهائل كأنه زوبعة يأخذون أبناء هيلاس غير راحمين. . . ثم نظر أخيراً فرأى إلى حَمَلة المشاعل والنيران يزحفون إلْباً فيكونون غير بعيد من السفائن اليونانية، لو أعملوا منجنيقهم في قذفها لأصبح الأمر غير الأمر، ولأتوا على آخر قوة لبني قومه، ولباء بنو قومه بالفشل العظيم! ولعاد الميرميدون كاسفي البال يحملون إلى هيلاس أنباء مصارع إخوانهم، الذين تخلى عنهم أخيل وجنوده وهم أقصى ما يكونون حاجة إليهم؛ ولكن أخيل لا يرضى أن ينسى الضغينة التي بينه وبين أجاممنون حتى في هذه الساعة العصيبة، فينهض لنصرة إخوانه اليونانيين، وليدفع عنهم هذا البلاء الذي حاق بهم، وليرد عنهم عادية هذه الكلاب التي تنوشهم وتمزق صفوفههم. . . . . . . . . . . .
ورأى يتروكلوس أنه لا سبيل لعودة الميرميدون إلى وطنهم بفرض نجاتهم من نيران الطرواديين، يجرون أذيال الخيبة، ويلملمون أكفان الفشل، فثارت في قلبه نخوة الجندي الباسل، واشتعلت في أضالعه نيران الغيرة من مفاخرات هكتور ومنابذاته التي يملأ بها