السهل والجبل، ثم تفطر قلبه أسى وحسرة على هذه الجموع الهيلانية التي تتدافع إلى البحر. . . . . . فكأنها تفر من موت إلى موت، وتنجو من حمام إلى حمام. . . . . . فذهب من فوره إلى أخيل، واقتحم بابه غير مستأذن؛ وقال:
(أخيل!)
(فتى هيلاس وغَوْثَها في كل رَوْع!)
(يا سليل الآلهة، المترفع عن الدنايا!)
(أرأيت؟!. . .)
(ماذا تتحدث القرون إذا قيل إن الهيلانيين باءوا بالهزيمة، فلم ينهض أخيل لنصرتهم؟ وماذا تحمل إلى هيلاس إذا أُبنا غداً غير أنباء السوء ووقائع تلك النهاية المحزنة؟ وكيف نلقى الأمهات المعولات على أبنائهن؟ وماذا نقول للوطن إذا طالبنا بصحيفة الحساب عن هذا اليوم الأسود الذي بدت بوادره، وأخيل العظيم لا يحرك ساكناً؟ وكيف نتقي نقمة الشعب الذي ندبنا لهذا الأمر إذا خُنا أمانته، وبددنا ثقته، وحطمنا آماله؟ وأين تذهب الشهرة الطويلة التي أحسبنا خدعنا بطراوة العيش فيها والأحاديث الممسولة عنها؟).
(أخيل!)
(بل فكر معي إذا تم النصر لهذه الذئاب الوالغة في دمائنا، هل يكون بحسبها أن تستأصل شأفة هذا الجيش المنهزم، وتحرق سفنه، ثم لا تعتزم غزو هيلاس العزيزة، لتتأثر لهذه السنين السوداء التي أذقناهم طوالها رهق الحياة وخباثة العيش!!).
(ثم أين لوطننا قوة بعد هذه القوى المبعثرة، وأنى له جيش بعد هذا الجيش المُراع، ومن لنا بأسطول يعنو له الموج، وتذل لعزته البحار؟)
(أخيل!)
(أنظر إلى الميرميدون تكاد تقتلهم الحُنْقَةُ على هذه البلادة التي أخمدت سورة الحرب في نفوسهم، وأطفأت جذوة البطولة في قلوبهم. . . أنظر إليهم يكادون يقذفون بجموعهم من سفائنك لنصرة إخوانهم، وليلقوا على هكتور درساً في النزال لا ينساه آخر الحياة!)
(مالك لا يحركك هذا اللظى يا أخيا؟! إن هذا يوم ينسى فيه أمثالك أحقادهم، ويدفنون سخائمهم، ولا يبالون ألف متعسِّف أفاقٍ مثل أجاممنون! إن هذا يوم هو كله للوطن من دون