اللواتي يرغبن في الزواج تيمناً وتبركاً؛ وإذا ما رزق الزوجان مولوداً سارع المحبون بتقديم قطع من قماش أبيض إن كان المولود ذكراً أو قماش ملون إن كانت أنثى، وقد تبلغ تلك القطع بضع مئات تسد حاجة الطفل من الملابس شطراً كبيراً من عمره. وإذا مات الزوج عكفت الأرملة في معزل من الناس جميعاً لتقضي عدتها وقدرها ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، وفي صبيحة اليوم الأخير تخرج لزيارة قبر زوجها، والويل لمن لاقاها في طريقه إذ ينصب عليه نحسها، لذلك ينبه الناس بعضهم بعضاً ألا يخرجوا في الصباح لأن (الغولة) ستكون في طريقها إلى المقابر؛ وقد يطوف بالنبأ مناد ينبه الناس، وبعد عودتها تقصد إحدى العيون (عين طموس) فتغتسل فيها، فإن اتفق أن لاقاها شخص أصابه نحسها كله، وإلا استأجر أهلها فقيراً يلقاها ليرفع عنها وصمة النحس، وبعد ذلك تسير حرة ولا ضير على من لاقاها أو تحدث إليها أو رغب في زواجها. وعادة الندب ولطم الخدود شائعة لديهم، ومقابرهم متجاورة، إلا من اشتغل بالذبح (القصابون)، أو بعصر الزيتون، فهؤلاء يدفنون في أماكن نائية، فكأنهم من المنبوذين.
ومن أشهى الأطعمة لديهم (لِمْصَفَّة) وهي مزيج من القرع والطماطم واللحم والزيت، ثم (إنْقطة) وهي فطير بالزيت والعجوة، وكل غذائهم بالزيت، ولا يكادون يعرفون (السمن) قط؛ وأحب المشروبات عندهم (اللقبي) يتخذ من عصارة لباب النخيل، وذلك بأن يكشف عن لباب النخلة وتجرح وتوضع تحتها آنية يتجمع فيها السائل، وقد تدر النخلة منه صفيحة كبيرة (٤ جالون) في اليوم الواحد، وتظل تعطي النخلة هذا القدر زهاء نصف عام، ثم تموت، لذلك تراهم لا يأخذون من النخيل الجيد إلا القليل كل يوم لكيلا يؤثر ذلك على حال الشجرة فيضنيها. وطعم ذلك الشراب وهو طازج حلو لذيذ، لكنه إذا ترك قليلاً تخمر فأصبح مسكراً قوياً، وهم يشربونه متخمراً، وبعضهم يدمن تناوله.
ويدهشني تقاعد الناس هناك عن استغلال موارد تلك الواحة الغنية، فالأرض المنزرعة محدودة جداً وهم لا يحاولون زيادتها رغم وفرة المياه وسهولة الري فيها، وحتى البساتين لا تلقى من عنايتهم إلا القليل رغم أن المنطقة جد صالحة لسائر أنواع الفاكهة والزيتون والحبوب، وقد تمثل الفرق أمامي مجسماً بين الناس هنا وبين أهل (الواحات الخارجة) فهم هناك يستنبتون الحبوب وبخاصة الأرز والقمح والشعير بكثرة هائلة، وينتجون غلتين في