الأرض الواحدة كل عام، ويعنون بتسميدها ولا يفتأون يوسعون المساحة المنزرعة يوماً بعد يوم وينقبون عن ينابيع جديدة؛ أما أهل سيوة فمتواكلون قانعون حتى ملاك الأراضي يتركونها لطبقة العمال (الزجالين) ولا يكاد المالك يزور بستانه مرة كل أعوام. وعندي أن الحكومة لو أوفدت طائفة من (الصعايدة) وأقطعتهم مساحات في مجاورة الينابيع في سيوة لكان لتلك الواحة شأن آخر في الإنتاج خصوصاً وأن الطرق المعبدة الجيدة تربطها بالسلوم وبمطروح والسيارات تقطعها في أقل من عشر ساعات.
قمنا نودع سيوة عائدين إلى مطروح، ثم أقلتنا إحدى الطوافات وكانت أجمل البواخر وهي (الأميرة فوزية) إلى السلوم فقضينا يوماً كاملاً ونحن نسير إزاء السواحل المصرية الوطيئة.
وفي باكورة الصباح دخلنا خليج السلوم الذي حاكي (الحويصلة) في تقوسه ورسونا على شاطئه الرملي فأشرفت الجبال من ورائه في طوق هائل أظهر لنا متعة الموقع من الناحية العسكرية؛ وتلك الجبال هي حافة الهضبة الصحراوية الداخلية التي تؤدي إلى الحدود الطليانية وارتفاعها ١٩٠ متراً. وما كادت الباخرة ترسو حتى تهافت أهل البلدة عليها في جموع لا حصر لها من سائر الطبقات، وكانت تبدو عليهم علائم الفرح والسرور لأنها تحمل إليهم مؤونتهم من الطعام والخضر والفاكهة وحتى الماء لأن موارد ماء الشرب هناك معدومة تقريباً، فالباخرة تملأ لهم مستودع الماء الذي منه توزع على الموظفين يومياً بمعدل (صفيحة واحدة) لكل فرد، وإن اعوزهم الماء بعد ذلك أتموا حاجتهم من المياه المكثفة من البحر وقد قامت الآلة المكثفة (كندنسر) على حافة الماء. على أن ماءها رغم نقاوته غير صحي لخلوه من المواد اللازمة للجسم التي لا يخلو منها ماء الشرب عادة.
ويوم وصول الباخرة عندهم هو يوم (الملوخية)، لأن الناس جميعاً يطبخونها لأنها أسرع الخضر تعرضاً لليبس والعطب، ولقد خلقت الباخرة جو عمل وحركة غير عاديين وسط تلك الجهات الساكنة، فقد تهافتت سيارات النقل والحمالون وبدأت العربات المعلقة الهوائية تشحن حاجات الجيش المعسكر فوق المرتفعات، فترى العربات تجري معلقة على الأسلاك إلى قمة الجبل ثم تعود فارغة، وحتى زوارق صيد الإسفنج تبتاع ماء الشرب لها من الطوافة؛ والمنطقة غنية جداً بالإسفنج الجيد وأصحاب امتياز صيده طائفة من اليونانيين