يفدون من بلادهم في موسم الصيد ومعهم زوارقهم، وهم لا يفهمون من العربية شيئاً قط. أما أهل السلوم فمن فقراء الأعراب يعيشون عالة على الموظفين أو خدماً لهم، وترى خيامهم القليلة مبعثرة في سفح الجبل، وهم يحصلون على مائهم العذب بطريقة عجيبة بسيطة، فهم يحفرون الرمل بجوار البحر إلى عمق نصف متر فينز الماء ويملأ الحفرة ماء لا بأس بمذاقه، وهم في فقرة مدقع وبؤس مبيد خصوصاً بعد أن اجدبت منابت الشعير إجداباً تاماً هذا العام. ولقد أثر ذلك في حالتهم الصحية والخلقية تأثيراً سيئاً؛ وتلك فئة جديرة بعطف ذوي البر، وقد تبرعت لهم الحكومة ببعض الغلال ويا حبذا لو ضاعفت إحسانها فحفظت طائفة من سكان مصر من أن يلقوا بأنفسهم إلى أحضان الطليان في حدود طرابلس مستسلمين كأسرى البال؛ ونساء العرب هناك سافرات لهن جمالهن الخاص في أرديتهن الحمراء، وعند زواج إحداهن يجتمع الناس لتقدير المهر ويبدأ بنحو خمسين جنيهاً، ثم لا يفتأ يتدخل شيخ منهم ويقول (وعشان خاطري) فينزل المهر إلى أربعين. ثم إلى ثلاثين، وهكذا حتى ينزل إلى خمسة جنيهات. ويكاد الفرح يقصر على حفلات الرقص، ولهم حركات في غاية الرشاقة والخفة، وجل الرقص يوقع وفق تصفيق الجماهير؛ ويغلب أن تكون الراقصة ويسمونها الحجالة من الأوانس اللاتي يرغبن في الزواج، وهي ترقص وعلى وجهها قناع، وليالي الفرح أربع، وفي ليلة الزفاف تحمل العروس على جمل تحت هودج يسمونه (كرمود)؛ ويمسك بالخطام الفتيات البكر تفاؤلاً ويقتادها إلى بيت الزوج. ومن عاداتهم أن الفتاة إن طلبها أحد ذوي قرباها فضل على غيره حتى ولو لم يكن كفؤاً لها، وإن حصل ما يخالف ذلك فرضت على المعتدي الدية التي يختلف قدرها باختلاف مكانة الفتاة.
حدث مرة أن أجمل فتاة في قبيلة المعابدة هناك طلبها كل فتيان قبيلتها فرفضت لأنها كانت تحب فتى من قبيلة أخرى، وذات ليلة دبر ذلك الفتى أمر اختطافها، فكانت الدية ألف جنيه. والعجيب أن سائر رجال القبيلة لابد أن يتعاونوا على جمع تلك الدية ودفعها وإلا لحقهم العار ولزمهم الحق جميعاً، وأنت إذا مررت على (خيشة) من خيامهم وحييتهم وجب أن تعرج لتشرب الشاي. ولا بد من تقديمه ثلاث مرات: الأولى شايها ثقيل أسود مر لا يوضع به سكر قط، والثانية أخف منه وأحلى، والثالثة يقدم شايها وكأنه العسل وغليه النعناع،