ويدور السقي إلى اليمين مهما كان من أمر الجالسين؛ وهم يدمنون الشاي إدماناً أثر على صحتهم ولو أنه أفاد من ناحية التطهير ضد بعض الأمراض.
وإذا اعتدى أحدهم على غيره وأصابه بسوء أرسل المصاب إلى (التَّطَّار)، وهو يقابل الطبيب الشرعي عندنا لتقدير الدية، وقوله نافذ على الجميع، وتلك الدية تسمى (كبارة)، والقاتل لا يقتل في عرفهم متى دفع الدية التي يقضي بها المحكمون، وهي حوالي مائتي جنيه في العادة، ويتعاون كل أغنياء القبيلة على دفعها.
طفنا ببلدة السلوم فإذا بها قرية شبيهة بمطروح في نظام بيوتها البيضاء الوطيئة، على أنها تفوقها وحشة، إذ يشعر الواحد فيها بأنه في معزل عن العالم. تسلقنا المرتفعات في طرق لياتها من الأعاجيب، وكلما علونا بدا مشهد خليج السلوم رائعاً بديعاً، وفوق الهضبة زرنا المعسكر وتوابعه في أبنية بالحجارة، فاخرة الإنشاء، لم أكد أصدق أنها أقيمت لجنودنا المصريين، وهنا تعسكر أورطة مصرية بكامل رجالها ومعداتها، وتشرف على الخليج إلى جانب المسكر طابية قديمة أسسها عصمت التركي سنة ١٣٢٢، وعليها الطغراء العثمانية، ويشغل القسم الأكبر منها اليوم السجن. ولقد أخذنا نشق تلك الصحاري المجاورة، ومررنا ببعض الآبار الرومانية القديمة، ومن أكبرها بئر وعرة نزلناها فإذا بها تجويف في الصخر الهائل، له شعاب ممدودة تحت الأرض فإذا ما أمطرت السماء سال الماء إليها خلال فتحات ضيقة وترشحت أوساخه مع الرمال الراسبة واستقى منها الناس. ثم سرنا حتى وصلنا الحدود الطليانية، وهم يمدون على طولها أسلاكاً شائكة. وزرنا طابية (مساعد) التي كانت لهم وتنازلوا عنها لمصر عند تحديد التخوم بعد أن أخذوا هم جنوب وما جاورها، وتركوا لنا تلك الطابية ومسافة قدرها زهاء عشرة كيلو مترات حول السلوم. وعجبت جداً لما لم أجد من الاستعداد لدفع طوارئ الهجوم على تلك الناحية المكشوفة من حدودنا، فعدد الجنود غير كاف ولم يزودوا من الأسلحة بشئ يدفع عنهم أذى، وحتى معسكر المدفعية رأيته يضرب خيامه أسفل الخليج بعيداً عن المرتفعات، لذلك يوجس الناس هناك خيفة هجوم العدو بين يوم وآخر. فهلا اهتمت وزارة حربيتنا بأمر تحصين ذلك الركن الهام من حدودنا فأمنتنا أخطاراً جسيمة وألقت شيئاً من مسئولية الدفاع عنا على عواتق أبنائنا المخلصين.
قمت من السلوم عائداً إلى الإسكندرية في الطوافة، وكان أجرها زهيداً جداً، إذ للموظفين