لوقاية الأمة في أولها، ولهذا يكثر الضعف العصبي في هذه المدينة الأوربية، وينتشر بها الفساد فلا يأتي جيلٌ إلا وهو أشد ميلاً إلى الفساد من الجيل الذي أعقبه.
ولم يكد ينتهي الأبُ إلى حيث انتهى الرأي به حتى أسرع إلى (الباب المغلق) يهيئ للزفاف ويتعجل لابنه المطيع. . . . نكبة ستجيء في احتفال عظيم. . . .
قال الشاب: وجن جنوني؛ وقد كان أبي من احترامي بالموضع الذي لا يلقى منه، فلجأتُ إلى عمي أستدفعُ به النكبة وأتأيَّد بمكانه عند أبي، وبثثته حزني وأفضيت إليه بشأني، وقلت له فيما قلت: افعلوا كل شيء إلا شيئاً ينتهي بي إلى تلك الفتاة، أو ينتهي بها إليّ. وما أُنكر أنها من ذوات القربى، وأن في احتمالي إياها واجباً ورجولة، وفي ستري لها ثواباً ومروءة، وخاصة في هذا الزمن الكاسد الذي بلغت فيه العذارى سن الجدات. . . والقلب العاشق كافر بالواجب والرجولة، والثواب والمروءة، وبالأم والأب، فهو يملك النعمة ويريد أن يملك التنعم بها؛ وكل من اعترضه دونها كان كاللص. . . . . .
قال: قَبح الله حباً يجعل أباك في قلبك لصاً أو كاللص
قلت: ولكني حر أختار من أشاء لنفسي. . . . .
قال: إن كنت حراً كما تزعم فهل تستطيع أن تختار غير التي أحببتها؟ ألا تكون حراً إلا فينا نحن وفي هدم أسرتنا؟
قلت: ولكني متعلم، فلا أريد الزواج إلا بمن. . . . . .
فقطع علي وقال: ليتك لم تتعلم، فلو كنت نجاراً أو حداداً أو حوذياً لأدركت بطبيعة الحياة أن الذين يتخضّعون للحب وللمرأة هذا الخضوع، هم الفارغون الذين يستطيع الشيطانُ أن يقضي في قلوبهم كلَ أوقات فراغه. . . . . .
أما العاملون في الدنيا، والمغامرون في الحياة، والعارفون بحقائق الأمور، والطامعون في الكمال الإنساني، فهؤلاء جميعاً في شغل شاغل عن تربية أوهامهم، وعن البكاء للمرأة، والبكاء على المرأة: ونظرتهم إلى المرأة أعلى وأوسع؛ وغرضهم منها أجل وأسمى. وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله في النساء، أي انظروا إليهن من جانب تقوى الله فإن المرأة تقدِم من رجلها على قلب فيه الحبُّ والكراهةُ وما بينهما ولا تدري أي ذلك هو حظها، ولو أن كل من أحب امرأة نبذ زوجة لخربت الدنيا ولفسد الرجال، والنساء جميعاً.