كلامها كلامٌ متأدب، ولكنه في الوقت نفسه طريقة من الخلاعة تلفتك إلى فمها الحلو. والحركة على جسمها حركة مسْتَحِيَةٌ، ولكنها في الوقت عينه كالتعبير الفني المتجسم في التمثال العاري.
إنها والله قد جعلت شيطاني هو عقلي؛ أما هذا العقل الذي ينصح ويعظ ويقول هذا خير وهذا شر، فهو الشيطان الذي يجب أن أتبرأ منه. . .
قال: وألمَّ الأبُ بقصة فتاه، ويحسبها نزوةً من الشباب يُخمدها الزواج، فيقول في نفسه: إن للرجل نظرتين إلى النساء: نظرة إليهن من حيث يختلفن فتكون كل امرأة غير الأخرى في الخيال والوهم والمزاج الشعري؛ ونظرة إليهن من حيث يتساوَينَ في حقيقة الأنوثة وطبيعة الإحترام الإنساني، فتكون كل امرأة كالأخرى ولا يتفاوتن إلا بالفضيلة والمنفعة. ويقرر لنفسه أن ابنه رجل متعلم ذو دين وبصر، فلا ينظر النظرة الخيالية التي لا تقنع بامرأة واحدة بل لا تزال تلتمس محاسن الجنس ومفاتنه، وهي النظرة التي لا يقوم بها إلا بناءُ الشعر دون بناء الأسرة، ولا تصلحُ عليها المرأة تلد أولاداً لزوجها، بل المرأة تلد المعاني لشاعرها.
ثم احتاط في رأيه فقدَّر أن ابنه ربما كان عاشقاً مفتوناً مسحوراً ذا بصيرة مدخولة وقلبٍ هواء وعقل ملتاث، فيتمرد على أبيه ويخرج عن طاعته ويحارب أهله وربَّه من أجل امرأة، بيدَ أنه قال إنه هو والده وهو ربّاه وأنشأه في بيت فيه الدينُ والخلقُ والشهامةُ والنجدةُ، وأن محاربة الله بامرأة لا تكون إلا عملاً من أعمال البيئة الفاسدة المستهترة حين تجمع كل معاني الفساد والإباحة والإستهتار في كلمة (الحرية). وقال إن البيئة في العهد الذي كان من أخلاقه الشرف والدين والمروءة والغيرة على العِرض، لم يكن فيها شيء من هذا، ولم يكن الأبناء يومئذ يعترضون آباءهم فيمن اختاروهن، إذ النسل هو امتداد تاريخ الأب والابن معاً، والأب أعرفُ بدنياه وأجدر أن يكون مبرأ من اختلاط النظرة، فيختار للدين والحسب والكمال لا للشهوة والحب وفنون الخلاعة؛ ولا محل للإعتراض بالعشق في باب من أبواب الأخلاق، بل محلُّه في باب الشهوات وحدها.
ثم جَزَمَ الأبُ أن الولد الذي يجيء من عاشقين حريٌّ أن يرث في أعصابه جنون اثنين وأمراضهما النفسية وشهواتهما الملتهبة، ولهذا وقف الشرع في سبيل الحب قبل الزواج