الإيطالي روحاً جديداً من العزيمة والخلال الحسنة، وقد كان قبل قيام الفاشستية في حالة يرثى لها من الإنحلال الفكري والأخلاقي، ونظمت الشباب والنشء تنظيماً بديعاً؛ والخلاصة أنها من حيث الوجهة الداخلية، خلقت إيطاليا خلقاً جديداً، وسارت بها في سبيل التقدم شوطاً بعيداً. وأما من حيث الوجهة الخارجية فقد عملت الفاشستية أيضاً لتقوية إيطاليا في البر والبحر والهواء، ورفعتها من حيث القوة العسكرية والهيبة الدولية إلى مصافي الدول العظمى ذات الرأي المسموع.
كل ذلك عملته الفاشستية في أعوامها الثلاثة عشر؛ ولكنها عملته فوق أكداس من الجرائم والضحايا، وعلى أنقاض الحريات العامة والكرامة البشرية والاستقلال الروحي والفكري؛ والفاشستية مادية مغرقة في المادية، والمعنويات في نظرها وسيلة إلى تحقيق المصالح المادية؛ ومن ثم جعلت من الجبل الإيطالي الجديد، في تفكيره وعقليته وتصرفاته قطيعاً من البشر مسلوب الرأي والإرادة، توجهه الزعامة العنيفة أينما شاءت. وكان من أكبر وأخطر جرائم الفاشستية أنها بثت في الشعب الإيطالي روحاً خطرة هي روح الغرور المغرق؛ ولا بأس من أن يتصف الشعب بالكبرياء القومية وأن يستمد من ماضيه المجيد وعظمته الحاضرة أسباب العزة القومية، ولكن الفاشستية بثت في الشعب الإيطالي أخطر عوامل الكبرياء والتحدي الفارغة؛ فالإيطالي الجديد يعتبر نفسه اليوم أرقى الخليقة، وأنه خلع بارتداء الفاشستية أثواب أوربا البالية، وأنه غدا يشرف من ذروة عظمته الجديدة على بؤس القارة القديمة وتدهورها، وأنه سيقود أوربا الجديدة طبق مبادئه وآرائه؛ ثم هناك ما هو أخطر من هذه الأوهام المعنوية؛ فقد بثت الفاشستية في الجيل الجديد روح العداء لأوربا القديمة، وروح التطلع والتحفز والعدوان، ولقنته نظرية جديدة هي أن إيطاليا الفاشستية خليفة الدولة الرومانية القديمة وقرينتها؛ وأن موسوليني إن هو إلا قيصر يقودها في سبيل الفخار والمجد، وغمرت هذه الروح القيصرية ذلك الشباب المغرور المتحدي، فأصبح يتصور أنه سيعيد حدود الدولة الرومانية القديمة، وأنه سيفتح مصر والأناضول وسورية وشمال أفريقية، ويجعل من البحر الأبيض بحيرة رومانية؛ ومضت إيطاليا الفاشستية تسخر بلسان زعيمها من كل دعوة للسلام ونزع السلاح، وكل دعوة إلى تفاهم الأمم، وآثرت نغمة الوعيد والتهديد، والحرب والإنتقام.