الإيطاليين في الأراضي اليونانية؛ وكان موسوليني على حق في استخفافه بالعصبة وجهودها؛ ولكن من كان يظن أن عصبة الأمم ستضطرم فجأة بروح جديدة؟ ومن كان يعتقد أنها ستجرؤ على اتخاذ تلك القرارات التاريخية الشهيرة فتلقى تهمة الاعتداء العمد في وجه إيطاليا وتقضي عليها بالعقوبات الإقتصادية؟ ولكن عاملاً جديداً لم يكن يتصوره موسوليني قط هو الذي وثب فجأة ووقف للفاشستية ولإيطاليا بالمرصاد، واستطاع أن يقلب الأوضاع الدولية في أسابيع قلائل: ذلك هو تدخل إنكلترا وتحرك الإمبراطورية البريطانية. ولقد كانت إنكلترا تبغض الفاشستية منذ قيامها، وتعتبرها خطراً على السلم الأوربي؛ ولكنها مذ اشتد ساعد الفاشستية وذكا وعيدها وتدفقت جيوشها إلى شرق أفريقية، أدركت أن الفاشستية قد أصبحت بمطامعها ومشاريعها الاستعمارية خطراً داهماً على الإمبراطورية البريطانية، وعلى دولتها الاستعمارية في وادي النيل وشرق أفريقية، وعلى سيادتها في البحرين الأبيض والأحمر؛ ويجب لتأييد سلام الإمبراطورية وأمنها، أن تسحق هذه الفورة الخطرة؛ وهناك عامل معنوي آخر يقتضي في نظر إنكلترا الحكم على الفاشستية، هو أنها رمز النظم الطاغية العنيفة التي يمقتها الشعب الإنكليزي، ويراها خطراً على الديموقراطية التي غدت ملاذها وحصنها الأخير بعد أن اجتاحت معظم الدول الأوربية؛ وهكذا تستحيل المعركة اليوم إلى نضال خطير بين الفاشستية وبين الإمبراطورية البريطانية مستترة وراء عصبة الأمم؛ ولقد كان نجاح إنكلترا عظيماً في حشد أمم العالم ضد إيطاليا باسم العصبة، وفي تنظيم هذه العقوبات الاقتصادية التي ستشل عما قريب كل موارد إيطاليا وقواها المالية والاقتصادية؛ وهكذا تنهار تدابير الفاشستية فجأة، وترى نفسها وحيدة في الميدان، تواجه سخط العالم وتألبه، وتواجه الإمبراطورية البريطانية؛ وفي رأينا أنه ليس ثمة شك في نتيجة هذه المعركة، فالفاشستية تجوز معركة الحياة والموت، وهي تسير بلا ريب إلى انحلالها، وليس في وسعها أن تثبت طويلاً أمام هذه الصعاب الفادحة التي تواجهها في الخارج وفي الداخل؛ وتدل الطوالع على أن الحرب الحبشية التي أريد أن تكلل جبين الفاشستية بهالة من الظفر ستغدو قبراً للفاشستية؛ ومن المرجح أن يقترن فشل الفاشستية في مشروعها الاستعماري بانهيار سلطانها في الداخل، وعندئذ تختتم تلك المأساة الطويلة بانقلاب حاسم، وتتحرر إيطاليا من تلك الأغلال الحديدية التي صفدتها مدى ثلاثة عشر