مضاجعها. . . والثائرون يتواصلون ويتابعون الشكوى ويجمع بينهم الظلم. . وهذا أبو ذر الغفاري يطوف ببلاد الإسلام يثير الفتنة ويقلب الأرض على عثمان. . . وهذا علي يباعد ما بينه وبين الخليفة مخافة أن يصيبه آل أمية بشر! وهم الساعة أصحاب الأمر وذوو السلطان على الخليفة الورع اللين الرقيق. . . وهم اليوم لبني هاشم بالمرصاد، وإن للبيتين فيما مضى لشأناً. وإن لهما فيما يقبل من الأيام لشأناً أكبر وقد أسخطته من عثمان أمور ونفرته منه شرور. وما يطيق الرجل صمتاً على ابن أبي سرح وآلياً على مصر، مكان ابن العاص القدير. فما زاد عثمان على أن قام على الناس رجلاً كرهه الرسول ولم يرض عنه إلا شفاعة وسماحة. . . ثم سكت طويلاً ثم أخذ يردد هذا الرجز الذي سيكون له في المحنة المقبلة أي شأن، والذي ستردده الجموع في الشام وتهتف به الجحافل في العراق. . . ويتردد صداه بعد ذلك على مدى الأيام:
أصبحت الأمة في أمر عجب ... والأمر مجموع غداً لمن غلب
فقلت قولاً صادقاً غير كذب ... إن غدا تهلك أعلام العرب!
ثم بدا له فقام من مجلسه. . وأطل من النافذة على فناء (العجلان) فإذا أعرابي يسعى على راحلته وهو يردى بها مسرعاً. فهتف به فوقف، وسأله كيف عثمان:
فقال الأعرابي: قد تركته محصوراً شديد الحصار
ثم تركه وتولى مسرعاً
وأي هلاك.! خليفة الله محصور. إن الأمر ليشتد وإن العاصفة لتنذر وإن العقبى لوخيمة. ترى أعيل صبر العرب فأتوا يقومون الخليفة بالسيوف. هنا أحس عمرو أنه لم يحسن الصنيع حين ترك عثمان وحده في المدينة، وأخذ يسأل: ترى ماذا يصنع علي وماذا تصنع البقية من الصحابة. إن فيهم لعصمة لابن عفان مما يراد به. . ولكن ما عساهم يصنعون وقد أبى عثمان أن يلقي لهم بالاً. فلتنفعه عصبية بني حرب لو كان فيهم خير. وليعصمه ابن أبي سرح لو كان يستطيع. أما الصحابة فها هم أولاء يعتزل منهم نفر فيهم سعد بن أبي وقاص، ويعلن العداء منهم نفر وفيهم أبو ذر الغفاري، ويشتد منهم نفر ولا يتحرج أن ينقد عثمان النقد الجارح الشديد وفيهم علي، وتنصرف منهم طائفة إلى ذات نفسها تجمع المال وتؤلف الأنصار وتعد العدة لما عسى أن يحدث من الأحداث وفيهم معاوية. ثم نظر