للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هناك الحمام الورق تندى خفافها ... ظلال عهدت الدهر فيها فتى سمحا

تعوضت من شدو القيان خلالها ... صدى فلوات قد أطار الكرى صبحا

ونقل إلينا الشيخ محي الدين بن العربي أبياتاً قال إنه قرأها على بعض جدران الزهراء بعد خرابها، رثاء في المدينة الشهيرة وهي:

دَيار بأكناف الملاعب تلمع ... وما إن بها من ساكن وهي بلقع

ينوح عليها الطير من كل جانب ... فيصمت أحياناً وحيناً يرجع

فخاطبت منها طائراً متغرداً ... له شجن في القلب وهو مروع

فقلت على ماذا تنوح وتشتكي ... فقال على دهر مضى ليس يرجع

ويرثي الفتح معاهد الزهراء خلال رواية نقلها عن جولة لبعض الكبراء في تلك الأطلال: (وآثار الديار قد أشرفت عليهم كثكالى ينحن على خرابها، وانقراض إطرابها، والوهي بمشيدها لاعب، وعلى كل جدار غراب ناعب، وقد محت الحوادث ضياءها، وقلصت ظلالها وأوفياءها، وطالما أشرقت بالخلائف وابتهجت، وفاحت من شذاهم وأرجت، أيام نزلوا خلالها وتفيأوا ظلالها، وعمروا حدائقها وجناتها، ونبهوا الآمال من سناتها، ورعوا الليوث في آجامها، وأخجلوا الغيوث عند انسجامها، فأضحت ولها بالتداعي تلفع واعتجار، ولم يبق من آثارها إلا نؤى وأحجار، وقد هوت قبابها، وهرم شبابها؛ وقد يلين الحديد، ويبلى على طيه الجديد. . .)

ويحدثنا الرحالة البغدادي ابن حوقل عن الزهراء - وقد زارها أيام الحكم - فيصف موقعها، ويقول إن العمارة اتصلت بينها وبين قرطبة، وأن لها مسجداً جامعاً دون جامع البلد (قرطبة) في المحل والقدر، وعلى سورها سبعة أبواب حديد، وليس لها نظير بالمغرب فخامة حال وسعة تملك، وابتذالاً لجيد الثياب والكسى، وفراهة الكراع وكثرة التحلي، وإن لم يكن لها في عيون كثير من الناس حسن بارع).

وكانت أطلال الزهراء ما تزال قائمة حتى القرن السابع، الهجري (القرن الثالث عشر) وقد ذكرها الشريف الإدريسي في معجمه الجغرافي الذي وضعه في منتصف القرن السادس وذكر أن بينها وبين قرطبة خمسة أميال؛ وذكرها أيضاً ياقوت الحموي في معجمه الجغرافي الذي وضعه في أوائل القرن السابع الهجري. وفي سنة ٦٣٦هـ (١٢٣٦م)

<<  <  ج:
ص:  >  >>