النظام وهذا الناموس وتلك القواعد والقوانين تجلت لنا عظمته تعالى واضحة في آياته، وتجلت لنا حكمته في أفعاله وأعماله؛ وما البرق والرعد وما إليهما إلا آيات من آيات الله لا تحدث لموت أحد، ولا تنبئ عن وقوع حروب، بل هي ظواهر تسير حسب أنظمة تمكن العلماء من اكتشافها، وثبت لديهم أنها دلائل ساطعة على قدرته تعالى وأُلوهيته جل وعلا. . . . . . . . . .
لقد حسب كثير من الأقدمين أن هذه الظواهر الجوية من أفعال الشياطين تجري بموجب قدرة إلهية لتوقع القصاص على الكفار والمذنبين. هذا الرأي كان سائداً في الغرب وعند كثير من العلماء؛ ومن الغريب أن العرب لم يأخذوا بهذا الرأي، وقد استعملوا في تعليل بعض هذه الظواهر الجوية العقل والفكر فكان رأيهم في تعليل حدوث البروق والرعود والصواعق، مع بُعده عن الحقيقة، يدل على دقة في الملاحظة، ويدل أيضاً على أنهم كانوا لا يقبلون الآراء والنظريات المبنية على أوهام وخزعبلات فنجد أحد علمائهم وهو القزويني يقول في تعليل البرق والرعد ما يلي:
(إن الشمس إذا أشرقت على الأرض حللت منها أجزاء أرضية تخالطها أجزاء نارية ويسمى ذلك المجموع دخاناً، ثم الدخان يمازجه البخار ويرتفعان معاً إلى الطبقة الباردة من الهواء فينعقد البخار سحاباً ويحتبس الدخان فيه، فإن بقي على حرارته قصد الصعود، وإن صار بارداً قصد النزول، وأيَّا ما كان يمزق السحاب تمزيقاً فيحدث منه الرعد، وربما يشتعل ناراً لشدة المحاكة فيحدث منه البرق إن كان لطيفاً، والصاعقة إن كان غليظاً كثيراً فتحرق كل شئ أصابته، وربما تذيب الحديد على الباب ولا تضر بخشبه، وربما تذيب الذهب في الخرقة ولا تضر الخرقة، وقد يقع على الماء فيحرق حيتانه وعلى الجبل فيشقه. . . . .) وقال في سبب رؤية البرق قبل سماع الرعد. . . (واعلم أن الرعد والبرق يحدثان معاً لكن يُرى البرق قبل أن يسمع الرعد لأن الرؤية تحصل بمراعاة البصر، وأما السمع فيتوقف على وصول الصوت إلى الصماخ، وذلك يتوقف على تموّج الهواء، وذهابُ النظر (أي سير النور) أسرع من وصول الصوت. . .)
ولقد بقي تعليل البرق والرعد وغيرهما من الظواهر الجوية غامضاً إلى أن جاء فرنكلين الأمريكي في القرن الثامن عشر للميلاد فأوضح هو وغيره بأن في الجو كهربائية يمكن