سيرها في الطرق الأقل مقاومة لها من الهواء فتمر على المباني والأشجار وتؤثر فيها؛ وقد تحدث فيها أضراراً جمة، فإذا مرت على شخص أو حيوان فقد تفقدهما الحياة، ولهذا لا يستحسن أن يجلس الإنسان في الليالي الكثيرة البرق في أماكن مرتفعة (تحت السماء) أو تحت شجرة، ففي ذلك كله يعرض نفسه للخطر. وتسلح الأبنية في البلدان التي يكثر فيها وقوع الصواعق بجهاز خاص يطلق عليه اسم (مانعة الصواعق، أو مترسة الصاعقة) اخترعها فرنكلين لحفظ المباني والأماكن العامة من الأضرار التي تحدثها الصاعقة: وبرغم معارضة رجال الدين لهذا الاختراع الجليل في بادئ الأمر فقد انتشر انتشاراً كبيراً في أمريكا وأوربا، وذاع اسم مخترعه (فرنكلين) وأصبح حديث الحلقات العلمية وموضع إعجاب العلماء ورجال الأعمال. ولا بأس من الإشارة إلى أن فرنكلين لم يكن عالماً فقط، بل خدم العلم وقام بقسط كبير في تقدم الكهرباء، وإليه يرجع الفضل في إنشاء الجمعية الفلسفية الأمريكية وفي تأسيس جامعة بنسلفانيا الشهيرة، وفوق ذلك فقد كان من كبار سياسي زمانه الذين جاهدوا كثيراً في سبيل استقلال بلادهم، ومات وقد تحقق كثير من غاياته السياسية التي من أجلها ضحى وناضل. وهذا المخترع العالم جدير بأن يكون قدوة صالحة ومثلاً عالياً لعلمائنا الذين يقبعون في بيوتهم أو في معاهدهم ولا يبذلون شيئاً من مجهوداتهم وتفكيرهم لخير بلادهم.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى أنهم لا يسيرون في ميادينهم العلمية سيراً قومياً، فلست ترى إلا نادراً من خصص بعضاً من وقته في ناحية الكشف عن مآثر أمته في الطب مثلاً أو التاريخ أو الرياضيات أو الآداب أو الطبيعيات أو الفلسفة أو في أي فرع من فروع المعرفة الأخرى وأثرها (أثر الأمة) في تقدم المدينة وسير الحضارة؛ وقد غرب عن بالهم أن علماء الأمم في هذا الزمان وفي الأزمنة السابقة قد خصصوا (ويخصصون) جانباً كبيراً من وقتهم وتفكيرهم في ناحية بعث الثقافة القومية وتبيان آثار أممهم في ميادين العلوم والفنون. نحن لا نقول بألا يواصل علماؤنا بحوثهم وألا يهتموا بالتنقيب، ولكننا نقول بأن يخصصوا جانباً من وقتهم للاشتغال في تحرير بلادهم من النير الأجنبي ولتوجيه بعض بحوثهم توجيهاً قومياً يخلق في النشء روح الاعتزاز والاعتقاد بالقابلية، وفي هذا قوى تدفع بالأمة المستعمَرة إلى ما تتمناه من رفعة وسؤدد واستقلال.