لضعفها أو قوة غلبها. أما أهل الأدب فلا ينضب لهم معين، ولا يقفر بهم منبت، فهذه الظلمات المحيطة بالأمة ينسجون من خيوطها شعراً، وهذه صخور الظلم والاستعباد يفتتونها بأسنة الأقلام ويبسطونها للناس نثراً، ومن هذا يحاولون إحياء شعور أماته الظلم، وإثارة همم قعد بها الخنوع. وقد يفلحون فيصلون بالأمة إلى غاية سياسية محمودة، وقد يخفقون ولكن بعد أن يتركوا للأمة ثروة أدبية؛ ولا تنس أن جهادهم شاق وعسير، وأن بلاءهم مرهق ومرير.
وهنا نجد التاريخ السياسي سابقاً ومتبوعاً، والتاريخ الأدبي لاحقاً وتابعاً؛ والأول مؤثر في الثاني أثراً قوياً أو ضعيفاً، وقد يبرز الأول في الميدان فلا يتبعه الثاني ولا يجاريه، وإن تبعه ففي تؤدة ووناء. على أنه يشترط أيضاً في هذه الحالة أن تكون الأمة مثقفة إلى حد معين حتى تستطيع في وسط هذا المضطرب أن ترى قبس النور ينبعث من قصبات الأقلام فتمشي على هداه، وأن تسمع صوت الحق من الخطباء فتلبي نداه. ذلك أن أتيح للأديب أن يكتب، وللخطيب أن يخطب.
ولا يتداخلنا العجب من أن يسبق التاريخ السياسي ويتقدم والمثل أمامنا واضحة بينة. فتاريخ الأدب الإسلامي إنما تأثر بما سبقه من عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية كان من مظاهرها نشوء الأحزاب السياسية وما فتح الله للمسلمين من بقاع الأرض؛ ذلك أثر في العقلية العربية فغير في أسلوب الشعر والخطابة والكتابة وموضوعاتها تغييراً ظاهراً. وأقرب من هذا المثل تلك الحرب الأوربية التي اندلعت نارها في الغرب، وامتد لهيبها إلى الشرق، فحركت النفوس وحفزت الهمم، وأثارت المطامع، وأبرزت في الشرق طبقةصالحة من الكتاب والأدباء، ما زالوا يعملون وما زال الشرق يرجو من غيثهم خيراً في الأدب وفي السياسة؛ أليست هذه نهضة أدبية قامت على أثر حركة سياسية؟
وليس سبق التاريخ السياسي على الأدبي قاصراً على الأمم الضعيفة أو المستضعفة، فقد يقع هذا في الأمم القوية كما يتضح من أثر تلك الحرب في الغرب، وأكثر أممه قوية متحررة، فقد تقدمت الحرب وأحداثها، ثم تبعها تغيير في الآداب من حيث الأسلوب ونظام القصة وطريقة التفكير، وكان تغييراً مستوياً كاملاً قوياً، بل كان نهضة حادة فتية.
أليس من الخير بعد هذا ألا نلتزم قاعدة بعينها نجري على سننها الأدب والسياسة ونقيد بها