فتلك أمور بينهم وبين ربهم. . . أما هو فحسبه أن يقول (يا معشر الناس! إياكم وخلالا أربعة فإنها تدعو إلى التعب بعد الراحة. وإلى الضيق بع السعة. . . وإلى الذلة بعد العزة. . . إياكم وكثرة العيال. . . واخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل والقال بعد ذلك في غير نوال، ثم يوصي الناس بالخيل ويطيل في ذلك. . . لأنها (رأس مال العربي) في الفتح والزرع!. . . وهكذا. . . كان الرجل يعرف قدر الصفقة التي كسبها من عمر، ويعرف سبيل الفائدة منها. . . وإحسان القيامة عليها، وإلى هنا ويبدأ الخلاف بينه وبين غيره. . . حتى عمر نفسه لا يداني ابن العاص في مسائل المال والاستثمار. . . فها هو ذا يكتب إليه يقول:(أما بعد فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عدداً وجلداً. . . وقوة في بر وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملاً محكماً مع شدة عتوهم وكفرهم. . . فعجبت من ذلك. . . وأعجب ما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحط ولا جدب!) فيرد عليه عمرو الرد الحكيم فيقول: (ولعمري. . . للخراج يومئذ (أي أيام الفراعنة) أوفر وأكثر، والأرض أعمر، ولأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم، أرغب في عمارة أرضهم منا مذ كان الإسلام. . .).
هنا نلمس الفرق بين عمرو وغيره من ساسة الإسلام، إنه يجيد الاستثمار، ويحسن القيام على المال. . . . . . وهل كان الولاة الأولون يعرفون من هذه الأمور كثيراً أو قليلاً؟ أترك الجواب على ذلك لابن خلدون فله من ذلك شكوى لا تنقطع. . .! وهنا سر الخلاف بين عمر وعمرو، ومبعث هذه المراسلات التي كانت تشتد وربما وصلت إلى التعريض. . . فهذا عمر يقول:(وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق المبين، ولم أقدمك مصر أجعلها لك طعمة!. . .) ثم يقول له في كتاب آخر: (إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن حين وليت مصر!).
إن ابن الخطاب يعرف أساليب عمرو بن العاص، إنه يخشى أن يدخر المال. . . إنه ليبعث إليه محمد بن مسلمة (ليقاسمه ماله) في ظاهر الأمر، وليكون عليه رقيباً حسيباً!. . . في باطنه؛ كان عمر يعرف في ابن العاص صفة التاجر المغامر. . . فعامله على حذر، وأفاد منه ولكن في حذق. ولكن عثمان قد عزله عن مصر. . . فأي خطأ هذا. . . وأي