جهل بطبيعته. . . لو أنه وجه إليه كلاماً أفعل من كلام عمر لسكت. . . لو أنه فعل به أي شئ آخر لما أهاجه ذلك هذا الهياج. . . ولكن (الصفقة) ضاعت من يده؛ لقد عزل عمر بن الخطاب خالد ابن الوليد عن إمرة صد الشام فلم يحزن ولم يبتئس، ولكن ابن العاص لا يسكت. . . إنه يعرض بعثمان حيث جلس. . . إنه يخف إلى المدينة مسرعاً وإن الثورة على عثمان لتضطرب بين جوانحه. . . وأي ثورة هي أشد من هذا الحديث البديع الذي رواه لنا الطبري كاملاً:
قال عثمان: يا ابن النابغة!. . . أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بوجه آخر؟
عمرو - إن كثيراً مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك.
عثمان - استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك.
عمرو - قد كنت عاملاً لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض.
عثمان - لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت، ولكني لنت عليك فاجترأت، أما والله لأنا أعزمنك نفراً في الجاهلية، وقبل أن ألي هذا السلطان.
عمرو - دع هذا، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهدانا به، قد رأيت العاص بن وائل ورأيت أباك عفان، فو الله للعاص أشرف من أبيك.
عثمان - ما لنا ولذكر الجاهلية!
هكذا تنتهي المحاورة بين الخليفة وعمرو. . . ويخرج هذا الأخير وقد دبر في نفسه أمراً. . . إنه ليثير الناس على الخليفة ويقضي وقته متنقلاً من مجلس إلى مجلس يبسط للناس أخطاء عثمان. . . ويحرضهم على الثورة عليه. . . فإذا وفق إلى إثارة الناس وأنذرت الفتنة فقد انحاز إلى قصره (العميلان) بفلسطين. . . حيث وجدناه في أول هذا الحديث. . . فإذا بلغه مقتل عثمان فقد طرب لذلك ولم يكتم فرحه به. . . وصاح يقول:(أنا عبد الله. . . إذا حككت قرحة أدميتها، أنى كنت لأحرض عليه، حتى لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.
والآن! (قد خرج الحق من خاصره الباطل، وأصبح الناس في الحق شرعاً سواء!. مات ولي الأمر وأصبحت دولة الإسلام كلها (صفقة واحدة) تحسن المساومة فيها جملة، ولهذا