قديرين في عصره، هما محمد بن مكرم، وأبي علي بن جعفر الضرير؛ أما مكرم فكانت له معه مداعبات، وكان يهاتره كثيراً؛ كتب إليه ابن مكرم يوماً: قد ابتعت لك غلاماً من بني ناشر ثم من بني ناعظ ثم من بني نهد. فكتب إليه: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. وولد لأبي العيناء ولد، فأتى ابن مكرم فسلم عليه، ووضع حجراً بين يديه وانصرف، فأحس به فقال: من وضع هذا؟ فقيل ابن مكرم، فقال: لعنه الله إنما عرض بقول النبي (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقال لابن مكرم وقد قدم من سفر: مالك لم تهد إلينا هدية؟ قال: لم آت بشيء، وإنما قدمت في خِف، قال: لو قدمت في خف لخفت روحك. وقال له ابن مكرم يوماً يعرض به: كم عدد المكذبين بالبصرة؟ فقال: مثل عدد البغائين ببغداد!
وأما أخباره مع أبي علي الضرير فكثيرة، وكم أتمنى أن يتيح لي الزمن فرصة الموازنة بين هذين الرجلين، فإن بينهما شبهاً قوياً، وقد وجدا في عصر واحد، وكانا في البلاغة نسيج وحدهما، ولكن كانت بينهما منافسة قوية أدت إلى أن تجري بينَهما مساجلات ومفاخرات كثيرة، حتى إن فتى من أبناء الكتاب في بعض الدواوين تعرض لأبي العيناء، وكان فيه جرأة فقال: كل الناس يا أبا العيناء زوجة، وأنت زوجة أبي علي البصير. فقال له أبو العيناء: قد ملكنا عصمتك بيقين فحواك، ثم ننظر في شكوك دعواك، وقد طلقت الناس كلهم سواك، ذلك أدنى ألا نعول، وفيك ما يروي الفحول، ويتجاوز السول. ففضحه بهذا الكلام ولم يجبه.
وهذا الحديث يدل على أنه قد كان بين الرجلين تصادم؛ وإن شئت فسمه مشاكسة وجدلاً عنيفاً وصراعاً قوياً بالألسن وأنه كثيراً ما يكون الغلب في جانب أبي علي الضرير.
أدب أبي العيناء
ونقصد بهذا الأدب الشعر والنثر؛ أما الشعر فلا نستطيع أن نعد أبا العيناء شاعراً مكثراً من فحول الشعراء لأننا لم نجد له في كتب الأدب والتراجم التي بأيدينا شعراً كثيراً؛ إنما الذي نقدر أن نحكم له به أنه كان من شعراء الكتاب أضراب أحمد ابن يوسف الكاتب والوزير للمأمون فيما بعد، وقد تقدم له بضعة أبيات مدمجة في أحاديثه تؤيدنا في حكمنا هذا.
وأما النثر فقد كان أبو العيناء سباقاً فيه، وتمتاز كتابته بأنها تارة تكون مفرغة في قالب