فكاهي مضحك، تقرؤها فلا تكاد تملك نفسك من الضحك، ولكنه إذا أفرغها في قالب الجد أتى بالفقر القصيرة حيناً والطويلة حيناً آخر؛ وكثيراً ما تكون مرسلة، وقد يقيدها بالسجع. فأسلوبه من السهل الممتنع كما يقولون، ويكفيه في منزلته من البلاغة تعجب المتوكل منه، إذ سأله: أكان أبوك في البلاغة مثلك؟ فأجابه بقوله: لو رأى أمير المؤمنين أبى لرأي عبداً له لا يرضاني عبداً له. ونرى كاتباً معاصراً له يشهد له شهادة قيمة وهو محمد بن مكرم الكاتب قال: من زعم أن عبد الحميد أكتب من أبي العيناء إذا أحس بكرم أو شرع في طمع فقد ظلم. ونحن إن كنا نعتقد أن في كلامه غلواً مراعاة للصداقة المحكمة الأواصر بينهما، إلا أن الحال التي وصف فيها أبا العيناء بالإجادة خليقة بتقدير النقد الأدبي لها. فإننا نرى الرجل يأتي برسائل ممتعة حقاً نعجب كيف صدرت عنه، ولكننا لو علمنا أن الدافع له إحساسه بالكرم، أو شروعه في الطمع كما يقول ابن مكرم لا نستغرب هذا.
وإني أريد أن أؤيد كلامي بنماذج من رسائله، ولقد كنت في غنى عن هذا لما تقدم من أحاديثه وكتاباته، ولكني لم أر بداً من الإتيان بنبذ يسيرة منها، فمن رسائله الفكاهية: ما كتبه إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان حينما أهدى إليه ابنه محمد دابة زعم أنها غير فاره:
أعلم الوزير أعزه الله أن أبا علي محمداً أراد أن يبرني فعقني، وأن يربكني فأرجلني: أمر لي بدابة تقف للنبرة، وتعثر بالبعرة، كالقضيب اليابس عَجَفاً، وكالعاشق المجهود دنفاً، قد أذكرت الرواة عذرة العذرى، والمجنون العامري. يساعد أعلاه لأسفله،. . . مقرون بسعاله، فلو أمسك لترجيت، أو أفرد لتعزيت، ولكنه يجمعهما في الطريق المعمور، والمجلس المشهور، كأنه خطيب مرشد، أو شاعر منشد، تضحك من فعله النسوان، وتتناغى من أجله الصبيان، فمن صائح يصيح داوه بالطباشير، ومن قائل يقول نقّ له من الشعير، قد حفظ الأشعار، وروى الأخبار، ولحق العلماء في الأمصار، فلو أعين بنطق، لروى بحق وصدق، عن جابر الجعفي، وعامر الشعبي، وإنما أتيت به من كاتبه الأعور، الذي إذا اختار لنفسه أطاب وأكثر، وإذا اختار لغيره أخبث وأنزر. فإن رأى الوزير أن يبدلني ويريحني بمركوب يضحكني كما ضحك مني، يمحو بحسنه وفراهته، ما سطره العيب بقبحه ودمامته، ولست أرد كرامة، سرجه ولجامه، لأن الوزير أكرم من أن يسلب ما يُهديه، أو ينقض ما يمضيه.