فوجه إليه الوزير برذونا من براذينه بسرجه ولجامه؛ ثم اجتمع مع محمد بن عبيد الله عند أبيه، فقال الوزير شكوت دابة محمد، وقد أخبرني الآن أنه يشتريه منك بمائة دينار، وما هذا ثمنه لا يشتكي. فقال أعز الله الوزير لو لم أكذب مستزيداً لم أنصرف مستفيداً، وإني وإياه لكما قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه، وإنه لمن الصادقين، فضحك الوزير وقال: حجتك الداحضة بملاحتك وظرفك أبلغ من حجة غيرك البالغة.
ومن رسائله الجدية ما كتبه إلى عبيد الله بن سليمان بن وهب: أنا أعزك الله وولدي وعيالي زرع من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى، وقد مسني منك جفاء بعد بر، وإغفال بعد تعاهد، حتى تكلم عدوّ، وشمت حاسد، ولعبت بي ظنون رجال كنت بهم لاعباً، ولهم مجرّساً. ولله درّ أبي الأسود في قوله: -
لا تهني بعد إكرامك لي ... فشديد عادة منتزعه
وتلك الرسالة كانت كافية في أن تطلق يد عبيد الله بالعطاء فوقع في رقعته: أنا أسعدك الله على الحال التي عهدت، وميلي إليك كما علمت، وليس من أنسأناه أهملناه، ولا من أخرناه تركناه، وقد وقعت لك برزق شهرين، لتعرفني مبلغ استحقاقك، لأطلق لك باقي أرزاقك، إن شاء الله والسلام.
وكتب إلى الوزير أبي الصقر يشكوه: أنا أعزك الله طليقك من الفقر، ونقيذك من البؤس، أخذت بيدي عند عثرة الدهر، وكبوة الكبر، وعلى أية حال حين فقدت الأولياء والأشكال، والإخوان والأمثال الذين يفهمون في غير تعب، وهم الناس الذين كانوا غياثاً للناس فحللت عقدة الخلة، ورددت إلى بعد النفور النعمة، فأحسن الله جزاك، وأعظم حماك، وقدمني أمامك، وأعاذني من فقدك، فقد أنفقت علي مما ملكك الله، وأنفقت من الشكر ما يسره الله لي، والله عز وجل يقول لينفق ذو سعة من سعته، فالحمد لله الذي جعل لك اليد العالية، والرتبة الشريفة، لا أزال الله عن هذه الأمة ما بسط فيها من عدلك، وبث فيها من رفدك والسلام.